عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثرَ من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه! فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟
قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة.
العبادة لا تكون صالحة ومقبولة عند الله عز وجل إلا إذا تحقق فيها شرطان:
– الأول: الإخلاص.
– الثاني: المتابعة.
والأدلة على هذين الشرطين كثيرة نذكر منها:
قوله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ” البينة.
فعن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثرَ من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه! فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟
قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة.
قال الألباني رحمه الله في الإرواء: “وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى، وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيراً من البدعِ باسم أنها ذكر وصلاة، ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك”.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً؛ لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل، والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة”.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى: “وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ”: أي: أخلص العمل لربه عز وجل، فعمل إيماناً واحتساباً، “وَهُوَ مُحْسِنٌ” أي: اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما، أي: يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون متابعاً للشريعة، فيصلح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد..”.
والمتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة:
الأول: السبب فإذا تعبد الإنسان ربه بعبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك: أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. وهذا الوصف -موافقة العبادة للشريعة في السبب- أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة.
الثاني: الجنس فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك: أن يضحي رجل بفرس، فلا تصح أضحيته؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.
الثالث: القدر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.
الرابع: الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية.
الخامس: الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان.
السادس: المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت، فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف بالبيت فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد، فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت، قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: “وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود”.
إن البدع أضرارها على القلوب عظيمة، وأخطارها على الدين جسيمة فما ابتدع قوم في دين الله بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد، كما قال التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي رحمه الله تعالى: “ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة” (رواه الدارمي في سننه برقم 98، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 188).
وعندما يطول الأمد على الناس في مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، يفقدون معيار التمييز بين السنة والبدعة، حتى إذا أنكرت عليهم بدعهم انتفضوا وصاحوا في وجه المنكر، كيف تنكر السنة؟ إنك تأتينا بدين جديد؟
صدق الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه حين قال واصفا مثل هذا الزمان: “كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم عليها الكبير، وتتخذ سنة يجري الناس عليها، فإذا غير منها شيء قيل غيرت السنة” قيل متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: “إذا كثر قراؤكم، وقلَّ فقهاؤكم، وكثرت أموالكم، وقلَّ أمناؤكم، وتُعُلِّم لغير الدين”.