التزييـف التاريخي المتعمد لسيرة الفاروق عمر

أسبوعية الأيام تفتري على الفاروق عمر بن الخطاب وتزعم كان خصومه يلقبونه بـ”فرعون الأمة” ويعشق شرب الخمر

الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ كان من أكثر الصحابة الذين تعرضت سيرتهم للتشويه والتزييف؛ خاصة من قبل الروافض الذين بلغ بهم الغلو والتطرف إلى أن كفروه ووصفوه بـ”فرعون الأمة”، وهو وصف ورد في حق أبي جهل في حديث أخرجه أحمد وغيره بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه مقتل أبي جهل وقف عليه وقال: “هذا فرعون هذه الأمة”.

والفاروق عمر مناقبه أكثر من أن تحصى؛ وسيرته العطرة وولايته العادلة قد بلغت الآفاق وسارت منهاجا يدرس، ويكفي في تزكيته -وهو من العشرة المبشرين بالجنة- قول الصادق المصدوق فيه: “..لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب” (المستدرك للحاكم 3/92).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمُون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر”. (البخاري).
كان في مدة خلافته من أشد الناس زهداً وتواضعاً في لباسه وطعامه ومركبه، يلبس الخشن من الثياب، ويأكل الخشن من الطعام، وكان رضي الله عنه شديد الخوف من الله تعالى؛ حفرت الدموع خطين أسودين في وجهه من كثرة البكاء؛ ونقش على خاتمه “كفى بالموت واعظاً يا عمر”؛ هاجر رضي الله عنه وشهد بدراً وبيعة الرضوان والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي النبي الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض؛ ومات شهيدا بعد أن طعنه المجوسي أبو لؤلؤة وهو يؤم الناس في صلاة الصبح.
ورغم كل تلك المناقب أقدمت أسبوعية الأيام على الطعن في أحد كبار الصحابة ورموز الأمة وأعلامها؛ مخالفة للمعلوم من الدين بالضرورة عند المسلمين عامة وعند المغاربة خاصة؛ فيما يخص العقيدة في الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وعمدت إلى نقل افتراءات وشبهات الرافضة؛ واتهام الفاروق عمر بشرب الخمر وعشق النساء!!! وزادت عليها بعض الافتراءات الأخرى التي يتنزه كل قلم شريف عن تسطيرها؛ وكل لسان صادق عن ذكرها؛ بله نشرها بين الناس بدعوى “البحث في التاريخ الخفي للخلفاء الراشدين”!!!
فلم يستح صحفي الأيام أن يصف عمر رضي الله عنه بقوله أنه: “بالإضافة إلى عدله وصرامته وجرأته؛ لدرجة لقبه بعض خصومه بـ”فرعون الأمة” يعشق شرب الخمر، حيث تحكي كتب التاريخ أنه ظل يشربها حتى بعد أن نزلت آية الاجتناب، معللا ذلك بأن القرآن لم يحرم شربها بنص صريح..
وحكايته -أي عمر- مع الخمر سواء في الجاهلية أو في بداية الإسلام كانت مثار جدل ونقاش اختلط فيه الديني بالسياسي؛ وأنه لم يقتنع بالتحريم بعد نزول آية البقرة! واستمر يشربها لدرجة أن بعض الروايات تحكي كيف أفتى بتحليلها بالماء ومزجها معا ليقل تركيزها وذلك في قوله: “إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء”.. وبعد نزول آية سورة النساء.. استمر في معاقرتها، لأن الخمر كانت في نظره تقيم الصلب وتساعد على الهضم كما كان يقول لأصحابه”. اهـ.
الظاهر أن محركات البحث قد أسعفت صاحبنا كثيرا في الوصول إلى هدفه؛ إلى درجة أنه نقل كلام الشيعة دون فهم معناه؛ فالشيعة لا يصفون عمر بـ”فرعون الأمة” لعدله وصرامته وجرأته كما فهم الكاتب؛ بل لأنهم يكفرونه ويجعلونه أعتا أعداء الإسلام في مقام أبي جهل؛ ويتعبدون الله تعالى بسبه ولعنه؛ ويدَّعون أنه تآمر مع أبي بكر الصديق للقضاء على الإسلام؛ وعمدا معا إلى تفسير القرآن الكريم حسب مصالحهما الشخصية!!!
ولهم في هذا شطحات وغرائب وطرائف؛ ليس هذا محل الرد عليها؛ ولو كان عندهم عقل فقط لتساءلوا: كيف يرضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يزوج ابنته أم كلثوم من مدمن خمر كما يدعون!!!
ثم أنا لا أدري كيف فهم كاتب الأيام من طلب عمر ربه في الخمر بيانا شافيا؛ إصرارا منه على معاقرتها واستمراره في شربها حتى بعد نزول آية الاجتناب؟!
هل هو سوء الفهم فعلا؟!
أم قصد التلبيس ومحض الافتراء؛ وخدمة مرجعية تهدف إلى الطعن في رموز الأمة وإسقاط عدالتهم؟!
فالجميع يعلم أن القرآن الكريم قد وافق الملهم عمر في كثير من الأحداث والوقائع؛ وقد روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر.
ولا يفهم من العدد -ثلاث- الحصر، فقد وافق عمر في أكثر من هذه الخصال الثلاث والأربع.. كما قال ابن رجب.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: “وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين ونزول الآية بذلك، وجاءت موافقته في تحريم الخمر، فهذه ست؛ وليس في لفظه ما ينفي زيادة الموافقة”.
بمعنى أن عمر رضي الله عنه حين قال: “اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا” كان يدرك جيدا أن آيات البقرة: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ”؛ والنساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى” كانت ممهدة لتحريم الخمر ولم تكن مصرحة بل معرضة؛ وهذا ما أدركه الفاروق وتشوف إلى الحكم الشرعي النهائي في تحريم الخمر.
ولهذا قال لما قرئت عليه الآيتين: اللهم بَين لنا في الخمر بيانًا شافيًا، حتى نـزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: “فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” قال عمر: انتهينا انتهينا، كما قال ابن كثير في التفسير.
وبذلك يتبين لنا بطلان دعوى عدم اقتناع عمر بتحريم الخمر واستمراره في شربها! وأنها محض افتراءات لو علم مسطرها أو جامعها أن نظاما قضائيا عادلا سيتابعه ويحاسبه ما تجرأ على نشرها وبثها في الناس.
وأما الرواية التي استند إليها حاطب الليل “إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء”.. فضعيفة لا تصلح للاحتجاج (انظر ضعيف سنن النسائي:5721-5722).
ومثل هذه الجرأة والإقدام على النيل من الصحابة الكرام ووصفهم بأمور عظيمة من هذا القبيل لا يمكن أن يصدر البتة عن شخص مؤمن؛ آمن وصدق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر” (رواه أصحاب السنن وانظر السلسلة الصحيحة 1233)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس” (رواه الطبراني وحسنه الألباني).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *