الدكتور عمر الكتاني
(خبير اقتصادي)
ماهي الآثار والانعكاسات الاقتصادية، لارتباط المغرب بالفرنكفونية والدوران في فلكها؟
النتيجة الأولى: هي أن المغرب سوق كبير للبضائع الفرنسية بامتياز، وهو بخلاف ما يقوله الاستراتيجيون في ميدان الاقتصاد، من ضرورة تنويع مصادر التمويل وتنويع مصادر الاستثمار، وتنويع الأسواق، لأن في ذلك تقليلا للمخاطر، ومن الواجب أن لا يكون هناك ارتباط بدولة واحدة، والمغرب لا يزال مرتبطا بفرنسا، بل إنه يزيد أكثر فأكثر، وهناك هيمنة فرنسية كلية على بعض القطاعات كالقطاع البنكي.
النتيجة الثانية: هي فقدان أسواق أخرى، والفرنكفونية يعني ضعف اللغة العربية، بينما الأسواق الأسيوية وأسواق الشرق العربي، تحتاج للغة العربية أو اللغة الإنجليزية، والمسؤولون الإداريون المغاربة لا يتكلمون لا بالعربية ولا بالإنجليزية، فأصبحنا نفتقد إلى من يساوم ويفاوض ويناقش ويحاضر في المنتوجات المغربية للدعاية لها.
الخطر الآخر هو أن تنامي الفرانكفونية وتزايدها، يسير بشكل متوازي مع تنامي وتزايد الدارجة، فأصبحت الدارجة للشعب والفرنسية للنخبة، والدارجة لا تصلح لتعلم العلم، والفرنسية لا تصلح لتنويع الأسواق والانفتاح على العالم، وبالتالي وضعنا أنفسنا في مأزق.
أما الانعكاس الثقافي فهو أخطر، حيث نرى بعض المسؤولين والنخب يفتخرون أننا مزدوجي الثقافة، والشعوب لا تكون مزدوجة الثقافة، فهي تكون عندها ثقافة أصلية، وثقافات متنوعة تأخذ منها العلوم والفنون والمناهج، ولكن ازدواجية الثقافة معناها أن إحدى الثقافتين تهيمن على الأخرى، لأن الوضعية الازدواجية لا يمكن أن يكون فيها تساوي بين الثقافتين، بل يكون فيها هيمنة ثقافة على الثقافة الأخرى.
وهناك مخطط لنشر الدارجة في المجتمع المغربي، والدارجة لا تحمل إلا كلمات محدودة من الناحية العلمية، والدارجة الحالية لا تصلح حتى للكلام النظيف، وبالتالي هناك توجه خطير جدا، لتحويل المجتمع المغربي إلى مجتمع مزدوج اللهجات، الفرنسية للنخبة والدارجة للشعب وعموم المجتمع.
فأصبح لدينا طلبة في الجامعات لا يعرفون لا اللغة العربية ولا اللغة الفرنسية، لأن العربية يدرسونها بالدارجة، والفرنسية يدرسونها كثقافة وليس كلغة.
وتقول بعض الدراسات المستقبلية أن اللغة الفرنسية ستنقرض بعد بضع عقود، لأنها ليس لديها مؤهلات للصمود أمام المنافسة، وأن من اللغات التي ستبقى حية اللغة العربية، هذه المعلومات يقولها خبراء أجانب لكن المغاربة للأسف لا يقرؤون.
فلا مناص إذن من تعلم اللغة العربية في الابتدائي، ومن تعلم اللغات الأخرى في الثانوي، لغات البلدان التي لدينا معها مصالح اقتصادية كالفرنسية والإسبانية والانجليزية وغيرها، نتعلمها كلغات وليس كثقافة، وعلى قدم المساواة. مع العلم إن كان لابد من تفضيل لغة أجنبية على أخرى فالإنجليزية أولى.
ثم ما معنى أن تكون إدارتنا مفرنسة، هذا عيب وعار، أمر جد مخجل، لا توجد إدارة في العالم تخاطب مواطنيها بلغة غير لغتهم، ثم إن الأمر مكلف اقتصاديا، فيلزمك كاتبات بالعربية وكاتبات بالفرنسية، وبرامج بالعربية وبرامج بالفرنسية، والوثائق تطبع باللغتين، ونستهلك أوراقا ومدادا وجهدا زائدا، وكلفة مضاعفة.
الدكتور فؤاد بلمير
(قاضي؛ باحث في علم الاجتماع)
تعلمنا منكم أستاذنا أنه في مجتمع المعرفة والإعلام لابد من التزود بكل آليات ووسائل المعرفة، ومن تلك الوسائل والآليات نجد اللغة، والتي هي مهمة وضرورية في عملية التواصل، فلا مناص للإنسان من امتلاك ناصيتها، هذا مما لا اختلاف بشأنه، لكن حين تصبح لغة ما، أداة للإخضاع والسيطرة والإلحاق والتغريب ومسخ الهوية، فإن الأمر هنا يتجاوز كونه عملية تواصل أو حتى انفتاح وتلاقح.
حديثي معكم دكتور، هو عن الفرانكفونية كأيديولوجية، كحركة بكل أبعادها الفكرية والثقافية والاقتصادية والاستعمارية، بصفتكم باحثا في علم الاجتماع ما هي الآثار والانعكاسات المترتبة على الانخراط في هذه المنظومة والدوران في فلكها والارتباط بها دون غيرها؟
على أي تقديمك أستاذ كان تقديما شاملا، وقدمت إجابات واضحة، ووضعت الإشكالية في إطارها الصحيح، أعتقد أن المسألة اللغوية ليست مسألة حديثة العهد، فقط إن وقعها حاليا كما وسمتها مجتمع المعرفة والإعلام المستفيد من التقنيات الجديدة للاتصال والإعلام والسرعة الكبيرة والفائقة التي لا مثيل لها، والتي تساهم في نشر -بين قوسين- هذه الثقافة اللغوية.
أكيد أن المسألة الأولى التي يجب أن نتفق عليها حتى تكون هي الإطار الذي سنتحرك فيه في هذا النقاش الذي أرجو أن يكون مثمرا وأن يميط اللثام عن بعض الإشكاليات التي لا تظهر للإنسان العادي، والذي يهمنا بالدرجة الأولى هو هذا الإنسان، لأن النخبة واعية بأهمية اللغة، وواهم من يعتقد أن اللغة ليست لها علاقة وثيقة بل قل علاقة جدلية مع التنمية.
اللغة هي أساس التنمية؛ وهنا أريد فقط أن أورد مثالا واحدا على بعض الاقتصاديات الصاعدة أي économies émergents les خذ معي أندونسيا عدد اللهجات عندها لا يحصى ولا يعد، خضعت للاستعمار الهولندي، ولكن عندما أرادت أن تحقق تنميتها الشاملة والمستدامة وأن تصبح إحدى الدول ذات الاقتصاد الصاعد خلقت لغة مصطنعة un langage artificiel هي التي تشتغل بها. وها هي اليوم؛ انظر إلى النتائج التي تحققها على مستوى التنمية.
إذن اللغة ليست فقط وسيلة لتمرير الثقافة أو المعلومة، بل هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتنمية والعملية التنموية أكيد أننا عندما نتحدث عن هذه الحركة الفرنكوفونية، الدولة التي عانت منها بشكل كبير هي جارتنا الجزائر، نظرا لأنها دولة حديثة، في المغرب، أعتقد أنني دائما أكررها كلما أتيحت لي الفرصة؛ مسألة أريد أن أرددها فقط لكي يعي المغاربة مكانة بلدهم؛ ليس من منطلق السيلوفوكي -أي الحب الزائد لبلد ما- ولكن هذه حقيقة تاريخية راسخة، لم يقلها أحد المغاربة بل أحد رؤساء الفرنكفونية هو المارشال دوكول، الذي على الرغم أنه قائد عسكري يعتبر محرر فرنسا ومؤسس الجمهورية الخامسة؛ قال إن عشر دول هي التي صنعت التاريخ البشري ويا له من فخر للمغاربة، لأن دولتهم من هذه الدول العشر، والمغرب يمتلك اللغة العربية وأكيد أن اليوم تطرح المسألة اللغوية بشكل كبير وتوجد بعض النعرات التي تريد أن تزج بالمغرب في معركة لغوية.
الفرنكوفونية إذا كنا نتتبع ما قام به أو ما حاول أن يقوم به آخر رئيس فرنسي، السابق ساركوزي الذي أراد أن يجعل حوض البحر الأبيض المتوسط يسود فيه نوع من الديكتاتورية اللغوية الناعمة؛ أي أن نجعل الفرنسية هي لغة البحر الأبيض المتوسط.
فلهم الكبير اليوم هو الاقتصاد، والاقتصاد بطبيعة الحال تتحكم فيه لغة معينة، فأراد ساركوزي أن يقوم بهذه التفريشة اللغوية وأن يمررها بشكل ناعم، لكنها تنطوي على أهداف قد نقول أنها استعمارية اقتصادية لكي يتملك الحوض الأبيض المتوسط. والذي عرفنا أن فرنسا دائما لها ذلك الحنين للدولة الاستعمارية الإمبريالية التي هيمنت في القرن التاسع عشر.
إذن فالفرنكوفونية لها تاريخ وهمها الكبير هو أن تهيمن اللغة الفرنسية في الحوض الأبيض المتوسط، وأعتقد أنك تتابع اليوم كيف أن اللغة الفرنسية حاضرة بشكل قوي في دول جنوب الصحراء، وكيف يروجون للغة الفرنسية، وكيف يدخلون اللغة الفرنسية مستعملين في ذلك الدين.. إلى آخره.
علينا أن نكون يقظين وحذرين من أن المسألة اللغوية ليست مسألة بريئة بل تنطوي على إشكاليات معقدة، وعلى أهداف استراتيجية تظهر بشكل جلي في الهيمنة الاقتصادية، والاقتصاد تحركه اللغة.
الدكتور موسى الشامي
إجازة في اللغة الفرنسية
دكتوراه في اللسانيات وطرق تدريس اللغات الحية
(رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية)
ماهي دوافع وأهداف تأسيس جمعيتكم؟ وما هي العراقيل التي صادفتم؟
عندما فكرت بداية في تأسيس هذه الجمعية، كنت أود أن أشتغل باللغة الفرنسية للدفاع عن اللغة العربية، لأني من جهة لا أملك شهادة جامعية أو دبلوما عاليا في اللغة العربية، ومن جهة أخرى لأن النخبة المتغربة الفرانكفونية التي تهاجم العربية كانت تهاجمها بالفرنسية، فتنعتها باللغة الميتة واللغة الكلاسيكية.
وهي ليست كلاسيكية أبدا، إذ اللغة الكلاسيكية عند الفرنسيين هي لغة موليير وديكارت، لغة القرن السابع عشر، أما لغتنا العربية فهي حديثة، بل حتى لغة امرؤ القيس وتأبط شرا والشنفرة فهي لغة حديثة، والقرآن الكريم لغته لغة حديثة جدا.
خلاصة القول أننا كنا نريد في ذلك الوقت سجالا مع هؤلاء القوم الذين يعتقدون أنهم يتقنون اللغة الفرنسية ويذلون اللغة العربية، والدفاع عنها ضد الفرانكفونيين المغاربة الشرسين يجب أن يكون باللغة الفرنسية.
أما الصعوبات التي اعترضتنا، فقد كنا نفكر في إنشاء فروع لجمعيتنا، لكن انكباب الكثير من الشباب على إنشاء جمعيات من أجل تلك الميزانية البسيطة التي تعطيها لهم البلدية ويأخذون مبلغا يتراوح بين 25 إلى 50 مليون ولا يفعلون بها شيئا ذا بال، وبالتالي فلا يمكنهم التفكير في إنشاء فروع لجمعيتنا.
وكذلك الشبكة العنكبوتية وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي والتي بدأت تشغل الكثير من الشباب بحيث يمكنه من خلالها إنشاء عالم خاص به وينشر فيها مقالاته ويعلق ويناقش.
لكن فيما بعد قمنا بتشجيع ثلة من الشباب المثقف أو المتمدرس لإنشاء جمعيات فكان ما رجونا؛ وأنشأت جمعية لأساتذة اللغة العربية وجمعيات أخرى لها نفس الهم والطموح في السمارة وطانطان وتازة وطنجة، وفي فاس “اللسان العربي”، وهناك عدد هائل من الجمعيات التي تشتغل دفاعا عن اللغة العربية أو تشتغل باللغة العربية من أجلها.