استراتيجية الأمن الغذائي بالمغرب: سياق تاريخي جمع وإعداد: محمد زاوي

 

1-في علاقة المغاربة بالأرض:

يؤمّن الإنسان غذاءه من علاقته بالطبيعة. تطورت هذه العلاقة، عبر العصور، إلا أنها ما زالت حاكمة في الأمن الغذائي للإنسان. الصيد، القنص، اللقط، والقطف، بداية؛ ثم الزراعة والرعي (بعد تدجين الحيوان) فيما بعد. تقدمت الأساليب وأصبحت أكثر يسرا، إلا أن المصادر في الأصل بقيت على حالها. البحر، الغابة، المزرعة، الحظيرة؛ كلها بقيت مصادر للغذاء، فقط تعصرنت وتقدمت أكثر، وأصبحت بينها وبين الإنسان وسائط: الصناعة والخدمات.

ما يسري على الإنسان ككل، يسري على سكان المغرب، منذ القديم، وإلى اليوم. نفس الخط العام للتطور، مع بعض الخصوصيات الجغرافية والتاريخية.

لن نتمكن من رصد كافة جوانب تأمين الغذاء، الخاصة بالإنسان المغربي، في هذا المقال المقتضب؛ فحسبنا، إذن، أن نسلط الضوء على تاريخ تأمين المغاربة لغذائهم، في علاقتهم بالأرض، أي بالزراعة.

2-الزراعة زمن القرطاجيين والرومان:

الزراعة، في المغرب، قديمة قِدم اكتشاف المغاربة لما تنبته الأرض ممّا يصلح لغذائهم، فأعادوا زراعته ليسدوا به حاجتهم، ويقايضوا به غيرهم، أو فيما بينهم، بين زراعٍ ورعاة مثلا. وبقيت هذه المقايضة سارية، في المغرب، عقودا قبل الاستعمار (1912).

عرف المغاربة الزراعة قرونا قبل الميلاد، تعود إلى ما قبل القرطاجيين. إلا أن زراعة الأرض، زمن القرطاجيين، أمر مؤكد، حسب ما حكاه المستكشف القرطاجي حانون. وانتشرت، في المغرب القديم، بحسب هذا المستكشف، زراعة الحبوب وكروم العنب وأشجار الزيتون والخضروات. ونفس الأمر يقال عن المغرب، زمن الرومان، حيث استمرت زراعة الزيتون وتطورت، وازدهرت زراعة الحبوب (القمح أساسا) بسهول المحيط الأطلسي. (مقال “الفلاحة في المغرب.. من العصر القديم إلى اليوم”، الموقع الإلكتروني “التاريخ المغاربي”).

3-زراعة الدول المتعاقبة على حكم المغرب: من المرابطين إلى العلويين

واستمرت الزراعة، في المغرب، وتطورت إلى أن جاء الفاتحون المسلمون، ودخلت حيز التنظيم أكثر من ذي قبل بعد تأسيس الدولة المغربية. تاريخ دولة المرابطين يشهد بذلك، حيث اعتمد اقتصاد هذه الدولة بالأساس، على الزراعة. حققوا منها اكتفاءهم، وصدروا الفائض منها إلى دول جنوب الصحراء. واشتهر المرابطون بزراعة الحبوب، الشعير خاصة، بسهول الحوز ومراكش والمناطق المجاورة؛ كما عُرفوا بزراعة النخيل والخضروات في أراضيها، وكذا القطن والسكر، بسجلماسة. (عبد اللطيف ضمير، مقال “الحياة الاقتصادية في دولة المرابطين وسياسة تحقيق الاكتفاء الذاتي).

وفي زمن الموحدين، وبعدهم المرينيين، “كان لتنوع مناخ بلاد المغرب الأقصى، وغناه بمختلف أنواع التربة، مع تتويج ذلك بوفرة في مصادر الري، وكثرة الأيدي العاملة في الزراعة، أثره على غناه بمختلف المحاصيل الزراعية من حبوب وخضر وفاكهة”. فانتشرت، في مغرب ذلك الزمن، زراعة الحبوب (القمح، الشعير، الأرز، الذرة، الدخن، السلت، الفول، الحمص، العدس، السمسم… الخ، والخضروات (الزيتون، القنب، الجزر، الخيار، البصل والثوم، الكرمب، الخس… الخ)، والفواكه (الكروم، التين، النخيل، قصب السكر، التفاح، الكمثري، اللوز، البرتقال… الخ)، ومحاصيلَ أخرى (القطن، الكتان… الخ). (عبد الحميد هلال عبد الحميد، الزراعة في المغرب الأقصى في عصري الموحدين وبني مرين، رسالة ماجستير، من ص 69 إلى ص:93).

وتميزت الزراعة، زمن السعديين، ببدء ارتباطها بالصناعة. فبالموازاة مع انتشار زراعة قصب السكر، بسوس خاصة، تم إنشاء مصانع للسكر. وتذكر المراجع المؤرخة للفترة السعدية أن انتشار تصنيع مادة السكر كان بنفس وتيرة زراعته، فتم إنشاء مصانع للسكر بالعديد من حقول زراعته. وهكذا، شكل اقتصاد السكر المصدر الأساسي لمداخيل الدولة السعدية، بالإضافة إلى مداخيل زراعية أخرى، كانت نتيجة للسياسة الزراعية التي انتهجها السعديون، من قبيل توزيع الأراضي وتوفير الأمن وتطوير أساليب الري وفرض الاستقرار على الرحل… الخ. (تماضر الفنش، مقال “المظاهر الاقتصادية للدولة السعدية”).

نظم العلويون شؤون اقتصادهم بناء على حاجتهم من جهة، وقدراتهم الداخلية من جهة أخرى. فكانت الزراعة أساس ذلك الاقتصاد، كباقي الدول المتعاقبة على حكم المغرب قبلهم. وبقي اقتصادهم كذلك، إلى حدود استعمار المغرب، حيث سيتم فرض نموذج اقتصادي جديد، بأساليب زراعية وصناعية وخدماتية جديدة. هذا ما يشهد به القرنان السابقان على استعمار المغرب، بما في ذلك فترة حكم المولى محمد بن عبد الله، حيث كان المغرب يحقق اكتفاءه من زراعته، فتتبادل المناطق فوائضها من المنتوجات الزراعية فيما بينها، أو تصدّرها إلى الخارج حسب مصلحة الدولة، وما هي في حاجة إليه من سلاح وسلع أجنبية.

4-الزراعة الاستعمارية:

سيعمل الاستعمار على فك هذا الارتباط بين الإنسان المغربي وأرضه، بنزع الأراضي وإعادة توزيعها على الطريقة الاستعمارية، ومن ثم تشكيل إقطاع محلي تحت وصاية “الحماية” الفرنسية، وبورجوازية زراعية مرتبطة بمصانع أنشأتها فرنسا على أرض المغرب أو تلك القائمة في فرنسا ومستعمراتها. وهكذا، ستحقق الاكتفاء من هذا النموذج الزراعي، ليس لعامة المغاربة، وإنما للمستعمر أساسا.

ولم ينتج الاستعمار الفرنسي من المنتوجات الزراعية إلا ما كان في حاجة إليه، “لتلبية حاجيات الجالية الأوروبية وللتصدير”، وتجلت أغلب تلك المنتوجات في: الحبوب (القمح والقطاني بالتناوب)، وفيما بعد: “كروم العنب (كانت تستخدم في صناعة الخمور)، وأشجار الزيتون، والبواكير، والحوامض، ثم خضروات وفواكه أخرى”. وتميزت هذه المرحلة بأساليب متقدمة للزراعة والري ونقل المنتوجات الزراعية، أدخلها الاستعمار لمصلحته لا لمصلحة المغاربة، رغم استفادتهم منها فيما بعد. “وكانت المزارع نادرا ما تتعدى 50 هكتارا كما كانت تشغل يدا عاملة غفيرة”. (ألبير عياش، المغرب والاستعمار: حصيلة السيطرة الفرنسية، ص 183-184-185).

5-السياسات الزراعية لمغرب الاستقلال:

تميزت مرحلة الاستقلال، من حيث السياسات الزراعية، بعدة سياسات:

– “سياسة الحرث” (1956): حيث عملت الدولة، نهاية الخمسينات وبداية الستينات، على تشجيع حرث الأراضي، من قبل الملاكين الكبار والمتوسطين، والصغار أيضا. وتم الاشتغال على ذلك بتوزيع الأراضي على الفلاحين، وتبني أساليب زراعية حديثة (الجرارات) وتدريب الفلاحين عليها، وتقديم توجيهات متعلقة بالري والبذور والأسمدة.

–  “الخطة الخماسية” (1958): وضعتها حكومة عبد الله إبراهيم، كان من أبرز أهدافها: البحث عن موارد الرعي، والتفكير في سبل استثمارها لمصلحة الاقتصاد المغربي.

– “سياسة المغربة” (1963): بفضلها تم استرداد 800 ألف هكتار من الأراضي التي كانت في ملكية المستعمر.

– “سياسة تشييد السدود” (1967): بفضلها أصبح المغرب يتوفر على ما يفوق 140 سدّا جاهزا، بالإضافة إلى أخرى ما زالت قيد الإنشاء.

– “سياسة تيسير المكننة”: لرفع الإنتاج الزراعي. من أهم تجليات هذه السياسة: “إعفاء واردات الآلات الزراعية من الرسوم الجمركية والضرائب”، عام 1982.

– “الخطة الخماسية” (2000-2004): حيث “تمت مراجعة الضرائب وتصحيحها وتحسين الائتمان الفلاحي من خلال الإصلاح المؤسساتي، وتسريع التنمية القروية، ودعم الاستثمار في أعلى مستوياته، ثم التوقيع على اتفاقية شراكة مع أوروبا سنة 1996”.

– “مخطط المغرب الأخضر” (2008): يهدف إلى تحريك الاقتصاد الوطني بالفلاحة، ومواجهة الفقر في العالم القروي، وجلب الاستثمارات… الخ. وقد ساهم هذا المخطط بشكل كبير، حسب تصريحات رسمية، في رفع الصادرات الزراعية وتطوير الناتج الداخلي الخام للقطاع الفلاحي، تحسين الظروف المعيشية للفلاحين الصغار… الخ.

(العناصر أعلاه، المتعلقة بالسياسات الزراعية لمغرب الاستقلال، هي تلخيص لبعض ما أورده صاحب مقال “الفلاحة في المغرب.. من العصر القديم إلى اليوم”، الموقع الإلكتروني “التاريخ المغاربي”).

– “الجيل الأخضر” (2020-2030): جاء تتويجا للخطاب الملكي، بتاريخ 12 أكتوبر 2018، حيث دعا الملك محمد السادس “لتعزيز المكاسب المحققة في الميدان الفلاحي، وخلق المزيد من فرص الشغل الدخل، وخاصة لفائدة الشباب القروي”، كما أعرب عن غايته المتجلية في “انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *