جاءت معاهدة الجزيرة المفروضة على المغرب 1906م لتخصص عدة فصول لمسألة الاتجار في المخدرات. ونص الفصل 72 على بقاء الأفيون والكيف موضوع احتكار لفائدة الحكومة المغربية. وهكذا فرضوا على السلطان مبدأ الاتجار في مادة هم مستوردوها والمتفوقون فيها، وفي سنة 1912م بعد فرض الحماية على البلاد احتكرت شركتان فرنسية في الجنوب واسبانية في الشمال الاتجار في التبغ ومراقبة الكيف والاستفادة منهما ماديا. فالشركتان المحتكرتان للتبغ تحاربان المزاحمة بتعاون مع الشرطة
لم يتكلم العرب المتقدمون في شأن مخدر الحشيش لأنه شاع فقط بعد غزو التتر بقيادة جنكيز خان (1167-1227م).
وبالمغرب فإن الأعشاب المخدرة ظهرت في حكم السلطان المنصور السعدي (1578-1603م) وكان مصدرها إفريقيا (الاستقصا 9/193-199)، وتعرف باسم “الكيف” ويعني في اللهجة المغربية “الراحة”. وكان الفلاحون يعالجون به الحيوانات المريضة من فصيلة البغال والحمير، إذ يخلطون أوراقه بعلف البهائم المصابة بتقرحات جلدية، وأكدت التجربة فعاليته في بعض الأمراض.
والكيف أو القنب يعتبر من أقدم المخدرات ويتشكل من نوع واحد بقطع النظر عن تعدد أسمائه بتعدد البلدان التي تنتجه. إلا أن خصائص تكوينه تتغير من مكان إلى آخر تحت تأثير الطقس، وطبيعة الأرض. ولا يستهدف المتعاطون له بشكل مشابه لنفس الأخطار العاجلة التي يتعرض لها مستهلكو الأفيون ومشتقاته، ولكن الإدمان عليه يؤدي قطعا إلى حالة تسمم وإلى ردود فعل عدوانية منافية للعلاقات الإنسانية.
ومن أوراق القنب أي الكيف يتم استخراج مادة لزجة تسمى “الشيرة” ويستلزم إعداد كيلو من “الشيرة” استخدام ما بين ثمانين ومائة كيلو من الكيف الأخضر، ويخضع لعملية سحق ناعم وغربلة دقيقة ثم يوضع المسحوق في قالب مربع مشدود من جوانبه بواسطة دواليب حديدية ويوضع فوق نار هادئة للتسخين إلى أن تطفو فوقه الزيت الموجودة به، وحينما يبرد يصبح عبارة عن لوحة من العجين الأخضر اليابس، وهو ما يعرف باسم “الشيرة” ويتم تغليفه بالورق على شكل قطعة شوكولاتة جاهزة للاستهلاك إما عن طريق التدخين أو التذويب في المشروبات.
وتشتهر عدة جهات في شمال المغرب مثل كتامة وغمارة والقصر الكبير ومناطق في الحوز بالجنوب وغيرها بصناعة “الكيف” ابتداء من الزراعة والجمع والتجفيف والتصفيف تم التسويق وتمثل موردا أساسيا لعيش آلاف العائلات ومصدر الأرباح الضخمة لكبار تجار المخدرات.
وكانت الحكومة المغربية تحارب الحشيش والتبغ في نفس الوقت، وفي سنة 1799م أصدر السلطان مولاي سليمان تعليماته إلى الولاة بقطع أغراس التبغ والكيف وإحراقها في كل جهة توجد بها. تاريخ الضعيف م.س. 2/586..
وطلب السلطان مولاي الحسن (1873-1894م) رأي رجال الدين فيما سماه “الأعشاب المرقدة والمفسدة” (الاستقصا ج9. ص 192)، والواضح أن تلك الأعشاب كانت منتشرة حتى وسط الفقهاء، وهذا ما جاء في نصيحة أحدهم للسلطان مطالبا إياه بأن”يكتب إلى قضاته ويأمرهم بتفقد الشهود وأئمة المساجد، فمن عثروا عليه يستعمل شيئا من تلك الخبائث أسقطوا شهادته وحظروا إمامته”. (المرجع نفسه ص 198).
وبالفعل طلب السلطان من الولاة أن يمنعوا الناس من “زرعها وادخارها والتجارة فيها بوجه من الوجوه”.
وهذا ما يقصده الفاسي وهو يتحدث عن انتشار الحشيش في مراكز يتجمع فيها المجاذيب والبلهاء مثل “هداوة” حول “سيدي هدي” وبمدفن “سيدي أحمد الدغوغي” وفي “دار الحشيش” بزرهون وغيرها. (الفاسي النقد الذاتي، ص 315).
ونجد في البند الثاني من الاتفاقية المغربية الانجليزية لسنة 1856م تأكيدا على أن تلك الأعشاب وغيرها تعد من جملة الممنوعات دخولا وخروجا. إلا أن الإنجليز تحايلوا على نص الاتفاقية وأعطوا لأنفسهم الحق في استيراد ما يحتاجون إليه في استهلاكهم الشخصي، غير أنهم تجاوزوا المقدار المتفق عليه وتاجروا في المخدرات على نطاق واسع كما فعلوا مع الخمور. (الاستقصا ج 9 ص 197).
وجاءت معاهدة الجزيرة المفروضة على المغرب 1906م لتخصص عدة فصول لمسألة الاتجار في المخدرات. ونص الفصل 72 على بقاء الأفيون والكيف موضوع احتكار لفائدة الحكومة المغربية. وهكذا فرضوا على السلطان مبدأ الاتجار في مادة هم مستوردوها والمتفوقون فيها، وفي سنة 1912م بعد فرض الحماية على البلاد احتكرت شركتان فرنسية في الجنوب واسبانية في الشمال الاتجار في التبغ ومراقبة الكيف والاستفادة منهما ماديا. فالشركتان المحتكرتان للتبغ تحاربان المزاحمة بتعاون مع الشرطة، وعندما يتم اكتشاف تجار المخدرات تفرض عليهم غرامة مالية يؤدونها لشركة التبغ، وإذا لم يجدوا ما يؤدون به الغرامة يتمتعون بأجل معين بهدف جمع الغرامة المفروضة عليهم وذلك بمواصلة الاتجار في بيع المخدر للسكان. (الفاسي، النقد الذاتي، ص 316).
وإذا كان المستعمرون قد وجدوا المخدرات أمامهم، فقد عملوا على تطويها وتوسع قنواتها وأصبحت مرادفا للحرب الاستعمارية. فأثناء معركة الاستقلال في الخمسينات كان زاد المقاوم المغربي هو الإيمان بعادلة قضية الحرية التي يكافح من أجلها, في حين أن جزاء من مؤونة الجدي الفرنسي والاسباني كان يتكون من المخدرات التي تنسيه مؤقتا الخوف وانعدام الرغبة في الحرب وهو يعرف أنه يدافع عن قضية استعمارية ظالمة.
وتمكن المستعمرون من تجنيد باعة الحشيش لالتقاط المعلومات عن حركة المقاومة، وبفعل المخدرات التي اتخذت حجما خطيرا، تحولت فئة من الشباب التائه إلى بيادق تلعب دور الطابور الخامس في تنفيذ مخططات الاستعمار. وقام المقاومون بتوجيه ضرباتهم إلى شبكة المتاجرين بالمخدرات من أجل حماية الثقافة الروحية للشعب.
عن كتاب كفاح المغاربة في سبيل الاستقلال../ عبد الإله زيد