نعم للإصلاح لا للتغريب

ومن هنا كان الفرق بيِّنا واضحا بين رجلين: مسلم ومستغرب، فكلاهما يدعو لتحرير المرأة، لكن الأول مخلص أمين لدعوته تحكمه تقوى الله ومخافته، وهو يريد تحرير المرأة لمصلحة المرأة نفسها. أما الآخر وهو المستغرب فهو يريد أن يحرر المرأة لإشباع نزواته، ويحررها ليستعبدها.

لا يماري أحد في أن المرأة المسلمة تعاني من أوضاع سيئة، وتغيير هذه الأوضاع غاية يسعى إليها المخلصون من أبناء هذه الأمة والحاقدون عليها، فجميعهم يسعون نحو التغيير لكن بنوايا مختلفة وأساليب متغايرة، فالمخلصون يريدون التغيير نحو الأفضل، أي نحو الالتزام بدين الله تعالى، أما الحاقدون فإنهم يريدون التغيير نحو الأسوأ أي الإجهاز على ما تبقى من إرث الإسلام بين نساء المسلمين وتحقيق المقاصد الغربية في المجتمعات الإسلامية وهيهات لهم ذلك.
إن تصويب فهم أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة هو الخطوة الأولى نحو التغيير، لكن قد يقال ماذا يجدي ظهور صورة المرأة في الإسلام إذا كان الواقع التطبيقي يحارب ذلك؟ والجواب أن العدل لا يتم إلا باجتماع التشريع الصحيح والتطبيق الصحيح، والتشريع الصحيح لا بد له من فهم صحيح، وحتى لو لم تسمح الظروف الآن بإعادة المجتمع وإلزامه شعبيا ورسميا بالإسلام، فإن إيضاح الصورة مساهمة كبيرة وإنجاز بحد ذاته.
إن وعي المرأة بدينها هو الأساس لأي تقدم تريد المرأة أن تحققه، وإن جهلها بأحكام دينها هو سبب كل تخلف نزل بها وكل ظلم لحقها، وإذا كان إبعاد الإسلام عن الواقع يلحق التأخر والظلم والمعاناة… بكل أبناء الأمة فإن المرأة أكثر الناس نصيبا من ذلك كله إذا ظل الإسلام مبعدا عن الحياة، لذا فمن الطبيعي والمنطقي أن تتقدم المرأة الصفوف الداعية لاستئناف الحياة الإسلامية، ومن العجيب الغريب أن نرى أحيانا المرأة تتصدر الصفوف المعادية للإسلام في بعض أنحاء من العالم الإسلامي مطالبة بشكل غير مباشر أو مباشر أحيانا بالتحرر من فضائل الإسلام وتعاليمه.
إن الحريص على نفع نفسه لا يستبدل بالقيم التقليدية المنافية للإسلام،-والتي تَرسَّخت في مجتمعاتنا الإسلامية-، قِيَما غريبة عنا فإن ذلك من باب استبدال الأسوأ بالسيء، أضف إلى ذلك أن استئصال عادة اجتماعية ما ليس بالأمر السهل الهين، فالعادات الاجتماعية لها جذورها الضاربة في أعمال المجتمع واستئصالها يحتاج إلى قوة جبارة تدعو الداعين إلى انقلاب في عادات المجتمع وتقاليده في وجه خصومهم التقليديين الذين يتمسكون بالسيء والحسن من العادات، لا لشيء إلا لأنهم ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وهذه القوة لا تتوفر إلا عند الداعين إلى الرجوع إلى الإسلام فقط، لأنه ما زال للإسلام سلطانه وقوته في المجتمع، ولذا رأينا أن الداعين إلى الحل الغربي قد فشلوا فشلا ذريعا. وما نراه اليوم من تأثر أبنائنا بالعادات والتقاليد المستوردة لا يدل على نجاح الفكرة الغربية وكل ما يدل عليه هو تأثر جزئي ببعض هذه التقاليد كما أنه يدل على نجاح الأفكار الغربية في إبعاد أبنائها عن الإسلام لا في إخراجهم منه وإدخالهم في دولاب الحياة الغربية بالكلية، فالخلفية التاريخية وصياغة الفرد العربي النفسية عبر عشرات السنين أمران يجعلان ذلك قضية مستحيلة تماما.
إن المسلمة الواعية ترفض التقاليد البالية التي لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، مثل الغلاء الفاحش للمهور أو إجبار الفتاة على الزواج أو حرمانها من الإرث (أو تعسف الرجل في استعمال حقوقه أو سطوه على حقوقها أو انتقاصه لشخصيتها)..، لكنها لا تقبل أن تلتمس الحلول من المجتمعات الغربية التي أعوزتها الحلول لمشكلاتها، والتي لا تزال تتخبط في أوحال الضياع حتى آذانها، ونحن وإن كنا لا نقبل الاستبداد الذي يمارسه بعض الرجال ضد المرأة، لكننا نلتمس حل هذه المشكلة في الإسلام، ولا نرى أن حلها يكون بتحرير المرأة على الطريقة الغربية دون قيود أو حدود. ومن هنا كان الفرق بيِّنا واضحا بين رجلين: مسلم ومستغرب، فكلاهما يدعو لتحرير المرأة، لكن الأول مخلص أمين لدعوته تحكمه تقوى الله ومخافته، وهو يريد تحرير المرأة لمصلحة المرأة نفسها، أما الآخر وهو المستغرب فهو يريد أن يحرر المرأة لإشباع نزواته، ويحررها ليستعبدها.
الأول يريد تحريرها على الطريقة الإسلامية من كل ظلم نزل بها ومن كل العادات التي لا يقرها الإسلام، والآخر يريد أن يحررها على الطريقة الغربية من كل قيد فضيلة وشرف.
ولا ريب أن الذي سيقرر مستقبل المرأة المعاصرة هو المرأة نفسها، وعيها وعقلها وذكاؤها، فالوعي هو حصن المرأة الذي يحميها من الأخطار التي تحيط بها من كل جانب، أخطار الضياع وأخطار الذئاب التي تنتظر خروجها من حصن عفتها ومعقل طهارتها وتحررها من قيود الشرف والفضيلة، لتنقض عليها بلا رحمة، فتجعلها وسيلة متاع وسبب الذلة تتقاذفها أيدي الرجال وأرجلهم، وفي نفس الوقت الذي يقومون فيه بذلك يثنون عليها ويصفونها بأنها استطاعت بعد جهاد ومشقة أن تتحرر، وبأنها الآن فقط ارتقت إلى المستوى الذي يليق بها في القرن العشرين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *