الصلة الوثيقة بين الاحتلال وحملات التنصير عابد عبد المنعم

 يستهدف المنصرون الإسلام قبل أي دين آخر لأنهم يعرفون من تاريخهم كله أنه لم يغلبهم إلا هذا الدين يوم كان يحكم الحياة، وأن هيمنتهم على أهله مستمرة طالما لم يُحكِّموه في حياتهم.

ولأن نتيجة الاصطدام بين النصارى والمسلمين غالبا تكون محسومة للمسلمين، فقد عَدَلَ النصارى الصليبيون عن مواجهة المباشرة، وذلك عملا بنصيحة القس “صموئيل زويمر” التي سطرها في كتابه “العالم الإسلامي اليوم”: “يجب إقناع المسلمين بأنّ النصارى ليسوا أعداء لهم”، وأن “تنصير المسلمين يجب أن يكون بوساطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها”.
فالأمة الإسلامية قد تمرض ولكنها لا تموت، وتغفو ولكنها لا تنام، والمسلمون قد يهزمون ولكنهم لا يبادون أو يسحقون، ومهما كانت الحروب معهم سجالاً فالغلبة لهم في النهاية متى جعلوا نصرة الله نصب أعينهم وهدفهم المنشود، وما أن يُخلِص المسلمون في عودتهم إلى دينهم حتى يصبحوا قوة لا تقهر، ولقد عرف النصارى الصليبيون هذه الحقيقة، وأكدها لهم لويس التاسع ملك فرنسا بعد أن هزمه المسلمون شر هزيمة، وأسروه في موقعة المنصورة بمصر، ثم خرج صاغراً من أسره، وكتب وصيته الشهيرة والتي عُرفت بوصية القديس لويس ليؤكد فيها أن المسلمين لا تهزمهم الجيوش مهما كانت، وعلى الغرب الصليبي أن يتخلى عن استخدام أسلوب الحروب المادية، وأن يستبدلها بالحروب الثقافية الفكرية، وكانت وصيته تلك بمثابة إعلان عن أن الصراع بين المسلمين والنصارى بدأ يأخذ شكلاً جديداً، فاستُبدلت الحروب المادية بأخرى فكرية ثقافية، وإن لم يخلُ الأمر من صِدام مادي وقتال دموي على طول محطات التاريخ.
لقد كان المُنَصرون في طليعة المُستكشفينَ الذين حلوا في جل البلدان المستعمرة ومنها المغرب، ومَهَّدوا للاحتلال قبل قدومه، كـ”شارل دو فوكو” و”دومنيك باديا”، وغيرهم من المستشرقين والمنصرين الذين عملوا على تنصير سكان المغرب وغيره ومن الدول المغاربية لاعتقادهم أن التنصير هو السبيل الوحيد لضمان ولاء سكان المغرب المسلمين لفرنسا المحتلة.
والحق أن الغزو الحديث للأمة الإسلامية جاء بالسيف والمحراث كما قال المرشال بيجو، أو بعبارة أخرى جاء بالمدافع والنهب الاقتصادي، ثم تلاه غزو فكري، ارتكز على الثالوث المشهور: الاستعمار والتنصير والاستشراق، لأن غزو العقل يضمن تأييد التبعية والانقياد حتى بعد انتهاء الاحتلال العسكري.
إن أعين أعداء الملة والدِّين لم تغفل عن هذا البلد الأمين، واستهدافه عقديا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا، فالخطط مرسومة والأهداف واضحة، وجلُّ المتتبعين لهذا الشأن يدركون ذلك، لكن العدو الوحيد والممثل الرسمي لفكر محتل الأمس قاتل الآباء والأجداد، ومنتهك أعراض النساء، هم أولئك الذين يدافعون عمّا سطره مفكرو الاحتلال من مشاريع وأفكار، تكرس التبعية وتديم مظاهر التغريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *