الاقتصاد الاستعماري والتحديث الاجتماعي

تفننت سلطات الحماية في تسويق المغرب، بما أفرغت عليه من التسميات، من قبل “المملكة السعيدة” و”كاليفورنيا الإفريقيةٍ” لاجتذاب رؤوس الأموال والمهاجرين إليه، إيهاما بذلك “السحر الدائم” وتلك “الخدعة العجيبة” التي انبرى لاكوتير سنة 1957 في مجلة إسبري يفضح سوأتها، وقد مكنت تلك العملية من اجتذاب استثمارات في العقارات، وتشييد تجمعات حضرية كبيرة، على غرار العاصمة الاقتصادية القوية، التي أقامها ليوطي في مدينة الدار البيضاء، التي كانت ساكنتها في سنة 1952 تقدر بـ 682.000 نسمة.

لكن إذا كانت هذه المدينة قد أصبحت أهم المدن في شمال إفريقيا، متقدمة على الجزائر العاصمة، فإنها تدين بذلك الوضع للهجرة القروية، أكثر مما تدين به إلى التنمية الاقتصادية والصناعية (كان 150.000 من سكانها سنة 1952، يقطنون دور الصفيح)، فقد ظل الاستثمار الصناعي (في ما خلا العقار) فيها، إلى سنة 1945 هزيلا، وظل فيها الاستثمار العمومي على الدوام أعظم شأنا من الاستشمار الخاص.
وبانتهاء نظام “الباب المفتوح” سنة 1939 وانقطاع العلاقات مع البلد الأصلي سنة 1942، ثم ما كان من ذلك السياق المساعد بعد الحرب وإلى سنة 1953 صارت المجموعة الأوربية تستثمر وتنتج داخل المغرب، بيد أن المحصلة الاقتصادية للحماية ظلت متضاربة، فقد ظلت نسبة النمو السنوي في القطاع الصناعي في الفترة من 1920 إلى 1955م لا تتعدى 6% يعود معظمها إلى البناء والاستغلال المنجمي الذي انتهى وجوده ابتداء من سنة 1945م.
وأما نصيب الصناعة فلم يتجاوز قط نسبة 15% من الناتج الخام الإجمالي وكان المغرب على عهد الاستعمار، في حالة عجز دائم (إذ كان معدل التغطية فيه، سنة 1952 لا يكاد يزيد عن 50%)، فهذا جعله متوقفا على البلدان الخارجية في كثير من المواد (كانت 55% منها تأتيه من فرنسا سنة 1955).
فكان أربعة أخماس المغاربة عند انتهاء الاحتلال يعيشون على الفلاحة ضعيفة الإنتاج (34% من الناتج الخام الصناعي) وفي هذا تفسير لقوة الهجرة القروية.
وخلافا لما كان يؤمل ليوطي؛ شهد المغرب عملية جزأرة Algérianisation وشهد خاصة عملية انتقال مكثفة للسكان الأوروبيين القادمين من تونس والجزائر وإسبانيا إليه، وقد تسارع تدفق هذه الهجرة ليرفع عدد المهاجرين إلى المغرب في سنة 1952 إلى 539000 أوربي (بما يزيد عن نصف عدد الأوربيين المقيمين في الجزائر) ولم يكن السبب وراء هذه الوضعية في الدعاية التي كانت تباشرها سلطات الاحتلال وحدها، بل إن تلك الوضعية كانت كذلك انعكاسا لارتفاع مستوى معيشة الأوربيين في المغرب الفرنسي، الذين فاق الدخل الفردي لديهم ب 130% مستوى العيش في فرنسا في سنة 1955 بينما كان مستوى عيش الأوربيين في الجزائر دون نسبة 90 % (ر.غاليوس 1964).
غير أن “كاليفورنيا الإفريقية” لم تكن حقيقة إلا عند البعض، وتحديدا منهم 5903 من الأشخاص كان يتقاسمون في ما بينهم أزيد من 1 مليون هكتار من جملة 405 ملايين هكتار المسخرة للزراعة، وهي أراض سهلة الري خصبة تتركز في السهور الكبرى (كسهل فاس ومكناس، وسهل الغرب، وسهل الشاوية، وسهل الحوز، وتادلة وسوس)، ومنها يجتنى القسط الأعظم من الصادرات (ذلك بأن 45% من مجموع هذه الصادرات هي موارد غذائية فيما كان المغرب يستورد ما يعادل قيمة صادراته من المواد الغذائية، (أي 23% من وارداته).
فما كان ثراء المغرب إلا ثراء كاذبا، ففي مدة خمس وثلاثين سنة ارتفع الناتج الوطني الخام فيه بنسبة 17% سنويا، فيما انحدرت ساكنته المسلمة (البالغة 8.585.000 نسمة سنة 1952) إلى الفقر، وهو تحول جاء موازيا لتفكيك الهياكل التقليدية (ج.برينيون 1967) وقد كان هذا الاقتصاد المنفتح يصدر الفوسفاط، والرصاص والسردين، والخمور، والحوامض، في تبعية وتقيد بالأسواق الأجنبية وبنظام الحصص الفرنسي.
تاريخ المغرب منذ الاستقلال
لبيير فيرموريين ترجمة:
عبد الرحيم حزل الصفحة:26-28

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *