اليهود واليهودية والصهيونية محمد زاوي

 

اليهود أتباع موسى

هم أتباع النبي موسى، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، في اتصال بمصر. وهم الذين انحرفوا بعده، وأدخلوا على دينه من تقاليدهم ووثنياتهم ما أفسده. يقول أحمد سوسة في كتابه “العرب واليهود”: “يبدأ عهد موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهو عصر متصل بمصر، قائم بذاته أيضا بلغته وثقافته وديانته، ويشتمل على الفترة التي عاشها النبي موسى على أرض كنعان مع أتباعه، ثم الفترة التي استغرقتها عملية تحول الموسويين من المصرية إلى الكنعانية بعد زمن موسى وانحرافهم عن دين موسى، وهي الفترة التي يمكن أن نطلق عليها تسمية الفترة المصرية-الكنعانية”. (منشورات سبو، الطبعة الثانية، 2014، ص 7)

لغة اليهود

فماذا عن لغة اليهود؟

كانت لغتهم هي لغة الكنعانيين، أما العبرية فلم تتشكل إلا فيما بعد. يقول سوسة: “لا توجد أية لغة خاصة باليهودية… وما يسمى بالعبرية بمعنى اليهودية، هي لهجة متأخرة مقتبسة من الآرامية (العربية الأصل) شأنها شأن اللهجات الأخرى التي تكونت في وقت لاحق من اللغة الأم الأصلية”. (نفسه)

دين اليهود

وماذا عن بعض خصائص دينهم؟

يدعي اليهود أن استفردوا بالسبق في اعتناق عقيدة التوحيد، والحقيقة أن “التوحيد إبراهيمي”. كما أن توحيدهم لم يرق إلى تجريد الشرائع السماوية التي جاءت بعدهم، ولم يتجاوز قوميتهم الضيقة ليخاطب العالمين أجمعين. يقول أحمد سوسة: “إن عقيدة التوحيد لم يناد بها أول مرة غير أنبياء عرب، وفي مقدمتهم “إبراهيم الخليل” الذي ظهر قبل عهد اليهود بألف وأربعمئة عام، وأن فكرة الإله العلي الواحد مالك السماوات والأرض، كانت معروفة عند “الكنعانيين” بشكل من الأشكال”. (نفسه، ص 54).

لقد كان اليهود يؤمنون بإله واحد، و”يعبدونه وذلك مقابل رعايته لمصالحهم”، وهكذا كانت “الألوهية (عندهم) علاقة منفعة متبادلة” بينهم وبين الإله (يهوه). وهذا من افتقارهم إلى التجريد، وهو ذات الافتقار الذي أكده فقدانهم “لتصور” خاص ب”العالم”، و”لتصور إله مطلق”. لقد كان دينهم “دين أعمال لا دين إيمان”، إذ لم يكن “عقيدة أو نظاما من العقائد، يتوقف على قبولها، الفداء والخلاص في المستقبل، بل مجرد نظام للسلوك البشري”. (أحمد بابانا العلوي، اليهودية الدينية واليهودية التاريخية)

يقول حسن ظاظا: “إن الذين خرجوا مع موسى، لم يكونوا بحاجة إلى توجه عقدي، فيما عدا الإقرار بوحدانية الله وعبادته بالصلاة والصوم، والقرابين المختلفة، أما تفصيل القول في الآخرة والقيامة والبعث والنشور والحساب والميزان والثواب والعقاب ودار النعيم ودار العذاب، فإنه كان فوق مدارك هذه الأخلاط من الناس الذين كانوا تحت قيادة موسى وأخيه هارون”. (نفسه).

حركتهم في التاريخ: من اليهودية إلى اليهودية المحرفة

يقسم أحمد سوسة حركة اليهود في التاريخ، من ظهور اليهودية إلى تحريفها، إلى ثلاث فترات:

– الفترة الموسوية الكنعانية: فترة موسى وأتباعه على أرض كنعان.

– الفترة المصرية-الكنعانية: فترة تحريف دين موسى بعده، والتحول من المصرية إلى الكنعانية، بترك بعض عناصر التوحيد الموسوي (المصري)، وتبني بعض الوثنيات (الكنعانية).

والفترتان السابقتان دامتا معا قرابة ثمانية قرون، من القرن 13 ق.م، إلى القرن 6 ق.م.

– فترة أعقاب السبي البابلي: عصر يهودي، كانت فيه لليهود لغة (العبرية التي تشكلت متأخرة) وثقافة وديانة خاصة (اليهودية المحرفة). وفيه تم تدوين اليهودية المحرّفة في التوراة (وهي التوراة الحالية)، على يد الكهنة، في الأسر البابلي وما بعده. (أحمد سوسة، نفس المرجع السابق)

اليهودية المحرفة وما نتج عنها

لقد نتج عن اليهودية المحرفة ما يندى له الجبين من الفظاعة والبشاعة، في تاريخ البشرية. لقد كان اليهود بدائيين قبل اليهودية، ثم عادوا إلى بدائيتهم (ولم يتخلوا عنه بالتزامهم يهودية موسى) بتحريف تلك اليهودية.

وفي كتابه “اليهود في تاريخ الحضارات الأولى”، يصور غوستاف لوبون مشاهد كثيرة من بشاعة وبدائية اليهود محرفي اليهودية، يمكن تلخيصها في الآتي:

– لم تكن لهم حضارة ولا صناعة ولا فن:

يقول غوستاف لوبون: “لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة ولا أي شيء تقوم به حضارة، واليهود لم يأتوا قطّ بأية مساعدة مهما صغرت في شَيْد المعارف البشرية، واليهود لم يجاوزوا قط مرحلة الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ”.

– كانوا يتصفون بوحشية فظيعة:

يقول لوبون: “تاريخ اليهود الكئيب، لم يكن غير قصة لضروب المنكرات، فمن حديث الأسارى الذين كانوا يوشَرون بالمنشار أحياء أو الذين كانوا يشوون في الأفران، فإلى حديث الملكات اللائي كن يطرحن لتأكلهن الكلاب، فإلى حديث سكان المدن الذين كانوا يذبحون من غير تفريق بين الرجال والنساء والشيب والولدان”.

– كانوا ضعفاء أمام الأمم المتمدنة في فلسطين:

فلم يكوّنوا إلا أقلية مضطربة في حضارات الكنعانيين والمصريين والبابليين، ثم حضارة الرومان فيما بعد. وحكمهم لم يكن إلا مؤقتا وعابرا، وتابعا وملحقا. ولذلك، فهم “لم يتركوا أي أثر لكيان سياسي يهودي خاص بهم في تاريخ فلسطين، ولكنهم تركوا ديانة متأخرة مقتبسة من تراث كنعاني وبابلي وأرامي ومصري”. (أحمد سوسة، نفس المرجع السابق).

ويقول لوبون: “فلسطين، أو أرض الميعاد، لم تكن غير بيئة مختلقة لليهود، فالبادية كانت وطنهم الحقيقي”.

– شرائعهم كلدانية وعقائدهم أساطير بابلية:

لقد كانوا ذوي قابلية للانحراف عن دين موسى، وتحريف اليهودية. إذ لم ينفصلوا كما هو مطلوب عن وثنيات المحيطين بهم، ولم يخضعوا لموسى إلا بعد أن قرب “التوحيد” من ارتباطهم بالأرض وبمصالحهم العينية، وزهدهم في التجريد والتنزيه والتعالي والارتباط بالمطلق.

يقول عادل زعيتر (مترجِم كتاب غوستاف لوبون): “وعند لوبون، أن الشريعة بأسرها ليست إلا وجها بسيطا للنظام الكلداني، وأن معتقدات اليهود هي من أساطير البابليين المعقدة”. (مقدمة ترجمة الكتاب بين أيدينا)

اليهود في الحضارة العربية الإسلامية: المغرب نموذجا

شكّلت الحضارة العربية الإسلامية استثناء في احتضانها لليهود، عكس ما عاشوه من اضطهاد واستضعاف في باقي الحضارات، لعل آخرها الحضارة الغربية. لقد آوتهم، حتى أصبحوا من نسيجها الاجتماعي. فتأثروا بثقافتها وتقاليدها، وأثروا فيها إلى حد ما.

يقول عبد الصمد بلكبير: إن “المسألة اليهودية لم تفتقر دائما في التاريخ إلى حلول عادلة ومعالجات عملية وناجحة نسبيا في اتجاه تجاوز معضلاتها العنصرية والإقصائية والتوظيفية المضادة لمصالح الجماعات اليهودية، وذلك عن طريق العمل الجدي والمسؤول لإدماجهم مثل غيرهم من أمثالهم في المجتمع بل وفي إدارة دولته.

أفضل نماذج ذلك إطلاقا، كان في المجتمعات العربية بتفاوت، وزمنا انطلاقا مع دولة الإسلام الموحدة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكثير جدا من خلفائه”. (عبد الصمد بلكبير، دراسة بعنوان “المسألة اليهودية مجددا: مفاهيم، تاريخ… وآفاق”، 1998)

من النماذج التي يذكرها بلكبير، على هذا الاستيعاب والاحتواء العربي الإسلامي لليهود، نذكر:

– “تصرفات الخليفة عمر رضي الله عنه وهو في بيت المقدس اتجاه التراث الديني القائم”.

– “مصر الفاطمية وفلسطين والأندلس، حيث بلغ الاندماج درجة مساهمة اليهود في بناء الثقافة والدولة العربية الإسلامية، في نماذج راقية أمثال الفيلسوف الطبيب ابن ميمون، والشاعر المفكر والوزير ابن زمرك، وغيرهم كثير”. (نفسه)

لم يشذ المغرب عن هذا النموذج العربي الإسلامي، في احتواء اليهود وإدماجهم. والقرائن على ذلك عديدة، نذكر منها:

– إيواء المغاربة لهم بمنطق التسامح.

– استقرار أوضاعهم في المغرب بعد الاضطهاد الشديد الذي تعرضوا له في إسبانيا.

– دخولهم في وضعية أهل الذمة، مما ضمن لهم الأمن واستقلاليتهم العقدية والتشريعية.

– التعايش والتسامح والتقارب، حتى بلغ تبادل الهدايا وتقاسم الولاء لعدد معتبر من الأولياء (126 وليا مشتركا بين اليهود والمسلمين، في المغرب).

– تقديمهم خدمات للسلاطين (إدارة الدولة)، أهمها الوساطة في “تدبير علاقات المغرب مع الدول الأوروبية”، مقابل مصالح أعيانهم أنفسهم، ومقابل “حماية الطائفة وجلب بعض الامتيازات لها”. (مصطفى الخلفي، دراسة بعنوان: “يهود المغرب والتعايش اليهودي العربي”، 2004).

– وجود شبه تطابق بين عادات وتقاليد وأعراف (الفلكلور) اليهود والمسلمين، في المغرب. ومنها، ما تعلق ب: “التعامل مع العقم، الحمل، الولادة، أيام النحس وأيام السعد، حماية المولود الجديد، الزيارات والهدايا بعد ازدياد المولود، الختان، حلاقة الشعر الأولى، الخطبة، مراسم الزواج، الطلاق وتعدد الزوجات، الوقاية من العين، السحر… إلخ”. (إيلي مالكا، العوائد العتيقة اليهودية بالمغرب: من المهد إلى اللحد، منشورات سبو، الطبعة الثالثة، 2013)

ولا يعني كل هذا أن يهود المغرب لا تشوبهم، في انسجامهم مع المغاربة، شائبة. بل إن بعض الظواهر تؤكد العكس، وذلك من قبيل:

– انعزالهم في فتراتهم الأولى.

– دخولهم في نزاعات مع المجتمع المغربي، عامة وفقهاء ورجال حكم.

– قابليتهم للعمالة وخدمة المستعمر والارتباط بالصهيونية.

– تأكيدهم على ارتباطهم بأرض الميعاد في طقوسهم وأذكارهم.

(راجع: دراسة الخلفي أعلاه، كتاب “اليهود في تاريخ المغرب: نصوص وقضايا” لإدريس الشنوفي).

اليهود في الغرب

يمكننا تصور واقع اليهود في الغرب، قبل التهجير إلى “أرض بشعب” فلسطيني، كما يلي:

– سجنهم في “الجيتو” من قبل حاخاماتهم، بما يخدم الرأسمالية الغربية.

– توظيفهم من قبل الطبقة المسيطرة، في كل مجتمع غربي، لتنفيذ الأعمال القذرة التي لا يُقبل أن يؤديها “الإنسان الأوروبي”، من قبيل “التصفية” و”القوادة” و”الاعتداء على الأعمال والأموال”… إلخ.

– بقاؤهم رهينة مساومة بين حاخاماتهم والمسيطرين منهم (الرأسماليين منهم) من جهة، والطبقة المسيطرة الغربية من جهة أخرى.

– توجيه حقد الطبقات الاجتماعية الدنيا إليهم، بدل أن توجّه إلى مستغلّها الطبقة المسيطرة (البورجوازية). نفسه مارتن لوثر (مؤسس البروتتستانتية)، سقط في شراك هذا المخطط. فمن حيث أن أفعال ومعتقدات “يهود الغرب” منبوذة وفظيعة ورجعية، فهي كذلك. ومن حيث أنهم المسؤول الأول والأخير عن أفعالهم، فذلك من التجنّي. (مارتن لوثر، اليهود وأباطيلهم، منشورات الملتقى، الطبعة الأولى، 2016).

– قابليتهم للتوظيف في استراتيجيات رأسمالية كبرى، وهو ما حصل لهم بتهجيرهم إلى فلسطين، ليخدموا الرأسمال الأمريكي خاصة، على النقيض من استراتيجية الوطن العربي.

إنه سجن صنعه الرأسمال الغربي لليهود، وقد أنتج إيديولوجيته الحاخامات منذ زن بعيد. والمطلوب ليس هو معاداة اليهود المسجونين في هذا “الجيتو” القديم، وإنما المطلوب هو تحريرهم منه، لصالحهم، ولصالح الوطن العربي واستراتيجية الإسلام، ولصالح العالم في نهاية المطاف. (عبد الصمد بلكبير، نفس الدراسة السابقة)

“الصهيونية”: توظيف رأسمالي (أمريكي) ويهودية محرفة

في كتابه “من هو اليهودي؟” يدعو عبد الوهاب المسيري إلى التمييز بين “اليهودية” و”الصهيونية”، على أساس أن هذه الأخيرة مشروع استيطاني علماني شامل (قائم على فكرة “الإنسان العدواني”)، رفض الالتحاق به الكثير من الطوائف اليهودية عبر العالم (ومنها: يهود الدياسبورا).

إنه تمييز مهم لعبد الوهاب المسيري، إلا أن المشكل لا يكمن في “الصهيونية” وحدها، بل في “اليهودية المحرّفة” أيضا. وهذا ما توصّل إليه، بالملاحظة والبحث، إسرائيل شاحاك (المناضل “الإسرائيلي” ضدّ “إسرائيل”). فقد تبين له أن كل ما ترتكبه “الصهيونية” من جرائم، فإن له أصولا وقابليات في “اليهودية” (المحرفة). (إسرائيل شاحاك، اليهود واليهودية: وطأة 3000 عام)

يقول في حقه إدوارد السعيد: “والفارق بينه وبين معظم الإسرائيليين الآخرين أنه ربط بين الصهيونية واليهودية والممارسات القمعية ضد غير اليهود واستخلص بالطبع منها استنتاجاته”. (إدوارد السعيد، مقدمة الطبعة العربية على الكتاب)

والحال هذه، فما “الصهيونية” إذن؟

“الصهيونية” هي: التوظيف الرأسمالي (الأمريكي خاصة) لليهود بإيديولوجيات “اليهودية المحرفة”. ولذا، فما “إسرائيل” إلا “كيان صهيوني” تمت صناعته في العمق الاستراتيجي للوطن العربي الإسلامي (الشام)، كقاعدة عسكرية مخابراتية، تمارس الابتزاز من أجل النفط والغز والماء (دور متغير، وفي حاجة إلى تحرّ جديد)، وتعمل على تفكيك أواصر الترابط بين أجزاء الكل (الوطن العربي)، جغرافيا ودينيا وثقافيا.

قد يتساءل البعض: ولمَ لا تكون “إسرائيل” دولة؟

ونحن نقول: وهل هناك دولة بلا شعب؟! وهل يصنع الشعب من الشتات؟!

إنها أجزاء شعوب شتى، هجّرت إلى “كيان وظيفي”. أجزاء لا تجانس بينها، ولا انسجام، ولا وحدة أصل. وهذا ما كشفه جمال حمدان، في كتابه “اليهود أنثروبولوجيا”. كما كشف في ذات الكتاب كيف تمت خطة تهجير اليهود إلى فلسطين، وكيف كان “الكيان الصهيوني” نتيجة تخطيط رأسمالي إمبريالي.

وقد يتساءل آخرون: وما دخل أمريكا؟

ونحن نجيب:

أليست هي من أغلقت أبواب أمريكي في وجه اليهود، ما لم يمروا بفلسطين، كما تدخلت بقوة في عمليات تهجير اليهود إلى فلسطين، من كل دولة من دول العالم؟

أليست هي التي أخذت من “أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لإقامة وطن قومي” لليهود (وهم شتات ليسوا بشعب)؟ (غور فيدال).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *