لا يمكن تجاهل جانب مهم في المشهد السياسي في دولة بنجلاديش الحديثة، وهو دور المنظمات التنصيرية الناشطة في قلب آسيا، فرغم أن بنجلاديش تعد ثالث أكبر تجمع للمسلمين على مستوى العالم ويبلغ عدد سكانها 140 مليون نسمة، 89% منهم من المسلمين، لم يتجاوز عدد النصارى فيها عن 50 ألف نسمة في العام 1947، وفي العام 1971 بلغوا 200 ألف، ومع نهاية العشرية الأولى من القرن 21 بلغوا نحو 2 مليون.
في خطوات ثابتة نحو هدف معلن من قبل المنظمات التنصيرية منذ عشرات السنين بتنصير 20 مليون حتى العام 2020، بجهود تصاعدية يبذلها جيش المنصرين الذي يزيد على 30.000 منظمة وعلى رأسهم منظمة “الرؤية العالمية”، و”كاريتاس”، و”جمعية الشبان المسيحية” الذين تركزت جهودهم في بناء الكنائس في كل مكان، حتى في المناطق التي لا يوجد بها أي فرد نصراني.
فارتفع عدد الكنائس في بنجلاديش من 13 كنيسة عام 1960 إلى أكثر من 500 كنيسة حاليًا، وتشمل الأنشطة التنصيرية جميع الطوائف؛ المسلمين والبوذيين والهندوس، فالكل سواء تحت سيف الفقر والمشكلات الاقتصادية التي تعد الأسباب الرئيسة للتحوّل إلى المسيحية في بنجلاديش، وتلجأ البعثات التنصيرية إلى أساليب جديدة لتسهيل مهمتها، من بينها لجوء المنصرين لاستخدام ألفاظ إسلامية وعربية في أنشطتهم، فيطلقون على الكتاب المقدس اسم “الإنجيل الشريف” على غرار “القرآن الكريم”، ويسمون الصلاة بـ”المناجاة”، بجانب سلسلة المستشفيات ودور الرعاية التي تعمل كالأخطبوط بالمجتمع البنجلاديشي، الذي وصلته النصرانية مع قدوم البرتغاليين في القرن السادس عشر الميلادي؛ حيث بنوا مستشفى ومدرسة في مدينة هولجي، وهو المكان الذي استطاع البرتغاليون أن يحصلوا على إذن بالإقامة فيه، ثم بدؤوا بعد ذلك ينتشرون حتى وصلوا إلى العاصمة ومدينة شيتاجونج.
ولعل ما يشجع على التمدد التنصيري في البلاد الحكومات التي تمنح كافة التسهيلات للمنصرين وفق اعتراف “الأب لينتو” -في وقت سابق لوسائل الإعلام- بأنه “لا يمر شهر دون أن تأتي مجموعة من الناس ليعلنوا اعتناق المسيحية في كنيسة كاكريل، وليس هناك أية مشكلات تعوق الدعوة إلى المسيحية”، مضيفًا أن “الحكومة لم تتوان عن تقديم أي دعم لنا.. نحن أقلية، لكننا نمتلك نفوذًا في مجتمعنا”…”لقد أنشأ المسيحيون العديد من المدارس والكليات، ككلية نوتردام، التي تقع في قلب العاصمة، إضافة إلى كلية سانت زفير”، ومنظمة قوة الإنقاذ، والبعثة اللوثرية التنصيرية، وكنيسة اليوم السابع.”
ووفقا للشيخ “محمد سلطان ذوق الندوي”، مدير جامعة دار المعارف الإسلامية ببنجلاديش فإن 30 ألف منظمة غير حكومية تمتلك من مساحة البلاد 54 ألف ميل مربع، تنفق تلك المنظمات ثمانية مليارات “تاكا” (200 مليون دولار) من مجموع المساعدات الخارجية التي تبلغ 10 مليارات “تاكا” سنويًا (250 مليون دولار) (40 تاكا = دولارًا)، وتنظم تلك المنظمات حملات إساءة للقرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- بصورة علنية، كما تدعم بعض المرشحين في الانتخابات الذين وصل كثير منهم إلى البرلمان ومقاعد الحكومة، ويمثلون غطاءً أو خط دفاع لأنشطة المنصِّرين، والأدهى من ذلك أن جيش المنصِّرين ذلك ركز أنشطته في المناطق الحدودية للتمهيد لفصلها عن بنجلاديش، بل قدم أسلحة للحركة الانفصالية بقبيلة “جاروهيل” التي قبلت النصرانية وشنت حرب عصابات ضد الحكومة في مناطق شيتاجانج الجبلية للحصول على الاستقلال..!!…
ولعل تلك الأنشطة التنصيرية لم يكن لتتحقق لولا الدعم الحكومي سواء المباشر وغير المباشر، كما أن العلمانية وإبعاد الإسلام عن منظومة الحياة البنغالية يصب مباشرة في مصلحة جيوش المنصرين ومخططاتهم لتنصير 20 مليون مسلم حتى 2020، والذي لن يتأتي إلا بإعادة هيكلة الدستور وعلمنته ومن ثم القوانين لاحقا وبصورة إلزامية…