حوار مع خالد البورقادي*

 

كيف تقيمون واقع التعليم في بلادنا؟

إن المنظومة التربوية المغربية تعيش في الآونة الأخيرة وضعا غير مسبوق من التردي والارتجالية ..خاصة ما عرفه هذا الموسم 2018/2019 من اضطرابات وتعثرات منذ انطلاقة الموسم: تداعيات إقرار الساعة الإضافية وما صاحبه من توترات أثرت على الزمن المدرسي؛ وصولا إلى الإضرابات المتتالية التي عرفها القطاع نتيجة سوء تدبير ملفات عدة من فئات نساء ورجال التعليم؛ خاصة الأساتذة أطر الأكاديميات المتعاقدين وأصحاب الزنزانة9 وحملة الشواهد وغيرهم… فاستقرار العنصر البشري والكفاءة البشرية أساس استقرار القطاع وانتاجه..وتحسين مردوديته. فبدل التعاطي الإيجابي والاجرائي مع الوضع الخطير الذي تعيشه المنظومة؛ تنهج الوزارة الوصية منهجية مضطربة متقلبة بين سياسة الهروب إلى الأمام وحلول ترقيعية تؤثر لا محالة على نتائج الموسم الدراسي؛ فالزمن المدرسي صار مهددا حقيقة لشريحة كبيرة من التلاميذ المغاربة خاصة بالمناطق النائية.. والامتحانات الاشهادية على الابواب!! نرجو أن يتدخل العقلاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم الدراسي.

ما هو المدخل لإصلاح التعليم في نظركم؟

منظومتنا التربوية عرفت مسلسلا طويلا من المشاريع الإصلاحية منذ الاستقلال؛ فاقت الأربعة عشر مشروعا!! أغلبها لم يحقق ما كان مرجوا؛ وتعددها وتناسلها يؤكد فشلها على عدة مستوبات. مع الإقرار والإشادة بما تم تحقيقه من منجزات. لكن بقيت دون طموح المغاربة بشهادات تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وتقارير دولية متتالية.. مشاريع ينسخ بعضها بعضا مما يدل على اضطراب في الرؤية لدى صانع القرار التربوي..وعلى غياب تنزيل حقيقي للحكامة في قطاع التربية والتكوبن. ومن الأمثلة القريبة جدا: مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوبن الصادر في أكتوبر 1999؛ والذي عرف تباطؤا في التنزيل والإنجاز – رغم ما تحقق- فجاء على انقاضه البرنامج الاستعجالي سنة 2009 إلى 2012؛ لبصرح السيد الوزير الوفا بفشله تحت قبة البرلمان!!! رغم ضخامة الميزانية المرصودة والتي بلغت 42 مليار درهم.!! وفي بداية هذا الموسم أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات (إدريس جطو) هذا الأمر وذكر المسؤولين بأسمائهم!! ليبقى سؤال الحكامة في القطاع معلقا دون إجابة!!! المثال الثاني: مشروع التدابير ذات الأولوية الذي أصدرته الوزارة سنة 2015 وكان من المفترض أن بقوم بعد ثلاث سنوات(2018) ماذا أنجز؟ وكيف؟ وماذا تحقق؟ لكن يبدو أننا دخلنا في دوامة من المشاريع ينسي بعضها بعضا!!! المثال الثالث: الاضطراب الحاصل في تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015_2030 من خلال القانون الإطار الذي يحمل في بنوده تراجعات خطيرة تمس مجانية التعليم، وتراجع ملحوظ للدولة عن أدوارها تجاه المدرسة الوطنية العمومية! فكيف نتحدث إذن ونقنع الناس أن التعليم ذو أولوية وطنية وأنه القضية الثانية بعد قضية وحدتنا الترابية؟؟! ناهيك ما يحمله القانون الإطار من تراجعات على مستوى لغة التدريس؛ وتهميش للغة الوطنية الرسمية دستوريا؛ والتوجه المحموم نحو الفرنسة والفرنكفونية!! بعد هذا التشخيص المركز لوضع المنظومة؛ يبقى المدخل الأساس لنجاح أي اصلاح حقيقي للتعليم رهين بالآتي: – توفر إرادة حقيقية للإصلاح تقطع مع عبث التدبير وتتوجه صدقا لبناء مدرسة وطنية عمومية لأبناء المغاربة؛ – إقرار حكامة حقيقية في القطاع بربط المسؤولية بالمحاسبة؛ حكامة تؤسس لتدبير ديموقراطي في قطاع التربية والتكوبن؛ – عدم تخلي الدولة عن مسؤوليتها الرئيسية تجاه القطاع خاصة الجانب التمويلي رغم كلفته. فالتعليم الناجح هو قاطرة التنمية الحقيقية للبلاد، ونماذج الدول الناجحة ماثلة أمامنا. فقد جربنا كلفة الجهل فهي أكبر وأخطر من كلفة التعليم! والاستثمار في الرأسمال البشري أفضل وانجح استثمار!! – لتحقيف ما سبق لابد من مقاربة تشاركية بنائية تشرك الجميع في صناعة القرار التربوي؛ إذ المدرسة شأن مجتمعي لا بنبغي أن يستفرد به طرف دون آخر..

ما هي الملفات الملحة في هذا الورش؟

هذا سؤال جيد؛ أهم الملفات الملحة هو العناية بالموارد البشرية للقطاع وتحقيق الاستقرار المادي والنفسي لنساء ورجال التعليم وموظفي القطاع ككل؛ حتى يتمكنوا من أداء الرسالة التربوية الملقاة على عاتقهم. وذلك لا يكون إلا بطمأنة موظفي القطاع من خلال ادماج الجميع في النظام الأساسي للوظيفة العمومية. وإقرار اجراءات تنصف الفئات المتضررة داخل القطاع؛ ثم التحفيزات المادية المشجعة على مزيد من الإنتاج والمردودية.. – مما يرتبط بهذه النقطة: تأهيل الموارد البشرية داخل القطاع من حيث التكوين والتدريب؛ وامداد القطاع بحاجياته منها. التي تعرف خصاصا كبيرا.. – تقديم رؤية إصلاحية حقيقية متوافق بشأنها؛ تلبي الانتظارات المجتمعية من المدرسة الوطنية المغربية وتحترم هوية المغاربة وخصوصيتهم الحضارية، انطلاقا من لغة التدريس؛ مرورا بالمقررات والمناهج..وصولا إلى المخرجات والنتائج…

من الملفات الملحة أيضا والمستعجلة أيضا إصلاح نظام البكالوريا والتقويم. فمنذ تجربة الميثاق لم يخضع لأي تقييم. فحان الوقت لاعادة النظر في نظام التقويم والامتحانات..

*ذ. خالد البورقادي – خبير تربوي باحث في علوم التربية و الديداكتيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *