الأصل في تغيير المنكر هو الرفق واللين والتلطف، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} النحل، والدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك.
والموعظة الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفاً.
قال سفيان الثوري: “ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه”.
قال العقباني في تحفة الناظر (51): أما كيفية التغيير فمشروعيته على الجملة تحسين المأخذ والبداية بالترفق والتلطف، حتى يستوي من زل، ويهتدي من ضل. قال مولانا جل جلاله: ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ طه، وقال جل وعلا: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾. آل عمران.
وقال عليه الصلاة والسلام: “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وكان ذلك فعله صلى الله عليه وسلم في مواطن عديدة، فمنها ما وقع في حكاية الأعرابي، إذ جاءه فقام ليبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله لهم: “دعوه”. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال: “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن”، ثم أمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبه عليه.البخاري ومسلم وغيرهما.
وروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به. فقال صلى الله عليه وسلم: “أقروه أقروه ادن مني” فدنا منه. فقال صلى الله عليه وسلم: “أتحبه لأمك؟” قال: لا، جعلني الله فداك، قال: “كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم”، فقال صلى الله عليه وسلم: “أتحبه لابنتك؟”، قال: لا. قال: “كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم”.
ثم ذكر له الأخت والعمة والخالة، ويقول: “وكذلك الناس لا يحبونه”، ثم وضع يده على صدره، وقال: “اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه”. فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض إليه من الزنا. انتهى كلام العقباني.
ثم ذكر أن هذا الرفق إذا لم يخف مع سلوك الترفق فوات التغيير أو ظهور الإهانة والازدراء بالمقدم على ذلك، ويكون رِفقُه غيرَ نافع لذلك، فهذا يلزم المغير تغييره بما أمكن من العنف المفيد للإزالة.