ليس الاستعمار الأمريكي لأفغانستان وليد شروط “11 شتنبر 2001″، وما رافق ذلك من إعلان الولايات الحرب على تنظيم “القاعدة”، وبالتالي على كل من يدعمه أو يوفر له يد العون، أو يحميه ويحمي قائده كما هي حال “طالبان” بعد “فتوى حنفية” تعتبَر من أخطائها الفادحة.
لقد تدخلت أمريكا أول ما تدخلت عن طريق السعودية وباكستان، وذلك بتمويلها التنظيمات المسلحة الأفغانية وغيرها على النقيض من الاتحاد السوفييتي الذي دخل أفغانستان عام 1979 قبل أن يضطر لمغادرتها عام 1989، في شروط ضعفه الداخلي وتراجع نفوذه العالمي.
وطيلة الفترة بين 1989 و1996، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الحركات المسلحة الأفغانية على النقيض من الحكم الشيوعي الأفغاني، حتى أسقطته عام 1996، فكانت تلك هي فرصة استيلاء “طالبان” على حكم بلاد الأفغان.
“حكمت طالبان أجزاء كبيرة من أفغانستان (1996-2001)، وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة أصبح “أسامة بن لادن” وتنظيم القاعدة على رأس الأهداف المرسومة في استراتيجية الولايات المتحدة. وأعلنت الإدارة الأمريكية أن “ابن لادن” سعودي الجنسية، والذي كانت حركة طالبين تؤويه في أفغانستان، يمثل العدو الأول للولايات المتحدة واتهمته بأنه وراء التخطيط لعمليات تدمير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، وبدأت بتحرك نشط تحت شعار بناء تجمع دولي لمكافحة الإرهاب، وشمل هذا النشاط الكثير من دول العالم”. (رامي أبو زيدة، حركة طالبان: تكتيكات القتال والتفاوض، المعهد المصري للدراسات، 12 مارس 2020)
صرحت أمريكا بأن الهدف من تدخلها في أفغانستان كان هو مواجهة “القاعدة” ومن يؤويها، أي “طالبان”. إلا أن الحقيقة، في السياسة، تكون عكس المصرح به غالبا. الغرب هو من أنتج الإرهاب وموله، وعلى أعين مخابراته ظل يتحرك، بل إن تفجيرات “11 شتنبر” نفسها قيل عنها الكثير في أروقة المخابرات الدولية، ومن ذلك ما اكتشفه المخابراتيون الروس من تواطؤ بين منفذي التفجيرات وأطراف في المخابرات الأمريكية، أو لعله كان تجاهلا مقصودا من قِبلهم لما كانوا يعلمون تدبيره. فكيف لهذا الغرب أن يدعي مواجهة “إرهاب” هو الذي أنتجه ورعاه في شروط ذكرناها سابقا؟!
قرب أفغانستان من الصين وروسيا، والتقارب الذي كان مرتقبا بين طالبان وهاتين القوتين، هو ما جعل أمريكا تنفر إلى تحصين حدودها الأبعد على الأرجح. وهو ما جعله تستنفر قوات “الناتو” لتنتهك حرمة أفغانستان بالقوات التالية:
– القوات الجوية: قرابة 590 طائرة مقاتلة من أنواع مختلفة، وحمالات طائرات، 15 قاذفة، طائرات للتشويش الإلكتروني والتجسس، وطائرات الهليكوبتر.
– القوات البرية: 2200 مقاتل من الكتيبة (26) مشاة البحرية، 1500 مقاتل من الكتيبة (75) صاعقة، قوة الدلتا الخاصة، 23000 مقاتل قوة برية بريطانية، 1500 مقاتل قوة خاصة أسترالية، قوات ألمانية وفرنسية وإيطالية وتركية “تحت غطاء المعاونة الإنسانية للشعب الأفغاني”.
– القوات البحرية: غواصات أمريكية لإطلاق الصواريخ، 14 سفينة أمريكية، 4 مدمرات، 5 كاسحات ألغام، 3 غواصات نووية بريطانية، مركز للتصنت البريطاني في جزيرة قبرص. (نفس المرجع السابق)
من الصعب جدا أن نصدق أن كل هذه القوات قد جهزت لمواجهة “القاعدة” في أفغانستان. لا بد من أن الهدف كان أكبر من هذا، وأن “القاعدة” كانت دليل الولايات المتحدة ل”طالبان”، وبالتالي لقطع الطريق على أفغانستان الجديدة التي من الممكن أن تربك حسابات الغرب في علاقته بروسيا، وبصين بالأخص.
لقد كان تدخل أمريكا وحلفائها، في أفغانستان، استعمارا حقيقيا يخدم أهدافا استراتيجية للغرب الرأسمالي على أنقاض الشعب الأفغاني.