معركة جهاني المأساوية.. 14/10/1929م (2/2) ذ.إدريس كرم

** تتمة نص التقرير:

صباح اليوم التالي، وصلت سرية القبطان (ليفيك) المكونة من 250 رجلا من القوات المنتمية لفيلق اللفيف لمساعدتنا، بقي قسم منه في عين المكان، والقسم الآخر منها، بعدما تَمَوَّن في لمريجة، توجه لبودنيب، المدينة التي فرّ لها المغاربة، اعتنى رجال قسم (ليفيك) بالجرحى الذين تم إرسالهم فورا للمريجا، لكن سيارات الإسعاف جاءت لتحملهم أثناء الطريق نحو مستشفى كلومبشار، أما أنا والجندي ماركويتش، كنا حملنا على متن طائرة طبية، توجهت بنا للمستشفى العسكري في وهران.

ووفقا للصيغة المعتادة، تم استنفار جميع المراكز، وأعطيت الأوامر بالمطاردة على الجانبين المغربي والجزائري، كما هو موضح في هذه البرقية من الرباط لجريدة Temps بتاريخ 1929/10/21.

مهما كانت العواقب الوخيمة لمعركة جهاني، فقد تمكنا في هذه الظروف من تقدير النتائج المفيدة لمؤتمر كلوبشار الذي جمع السادة: بوردس، وسانت، لدراسة الإجراءات المشتركة الواجب اتخاذها على الحدود الجزائرية المغربية.

وبالفعل تم تحذير السلطات العسكرية المغربية من رحيل الجيش من تافلالت إلى الجزائر، مما مكن القوات المغربية من الذهاب للبحث عنه في نفس اللحظة التي كان يغادر فيها قاعدته، وتم تنبيه الجزائر على الفور، ووفقا لاتفاق كولومبشار، تمكنت القوات المغربية من خلال اختراقها لحمادة الجزائرية، والحصول على امدادات في التراب الجزائري، أن تضم جهودها لجهود القوات الجزائرية.

هذه الحادثة الخطيرة، تبين على كل حال، مشكلة التهدئة التي لا تعني فقط المغرب، ولكن الجنوب الجزائري أيضا، كما توضح أننا لسنا في موقع الهجوم، ولكننا بشكل واضح وبسيط، في موقف الدفاع عن أنفسنا.

الصحف الباريسية توصلت من الدار البيضاء ببرقية مؤرخة في 22 أكتوبر.

معركة جهاني المؤلمة سمحت على الأقل بتقدير النتائج المفيدة لمؤتمر كولومبشار، الذي جمع قبل بضعة أشهر كلا من السيدين: بورديس وسانت، بهدف اتخاذ تدابير مشتركة، في الحدود الجزائرية المغربية ولأول مرة بالفعل:

1- تم إبلاغ السلطات العسكرية المغربية، بخروج جيش من تافلالت متوجها للجزائر، ودفع القوات المغربية للقيام بالبحث عنه، في نفس اللحظة التي كان يغادر فيها قاعدته.

2- نبيه الجزائر على الفور بنتائج بحثها.

3- ووفقا لاتفاقية كولمبشار، تمكنت القوات المغربية من اختراق لحمادة الجزائرية، والتموين في الأراضي الجزائرية، والانضمام للجهود المبذولة من قبل القوات الجزائرية.

عند الوصول لمكان المعركة، أقرت القوات المغربية بفرار الجيش.

تبين هذه الحادثة أن مسألة التهدئة ليست مغربية بحتة، ولكنها تتعلق أيضا بجنوب الجزائر.

تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن المقابلة التي أجراها النائب البرلماني عن وهران للمرة الثالثة (رو -فريزينك) مع جريدة Temps من وهران، في تدخل صارم حول مسألة أمن حدود جنوب algero-marocains والتي طالما حظيت بترحيب من قبل الغرفة، وكان قد عاد لتوه من رحلة دراسية للمناطق الصحراوية، قبل ثمانية أيام، وتوجه من كولمبشار لأرفود بالطائرة، للاستفسار عن الوضع الحالي بتافلالت، فطار فوق ناحية جبل العياشي حيث رآى مكان المعركة الدامية، التي كلفت حياة خمسين من لفيفنا.

هاكم التصريح الهام الذي تفضل به:

أعرف ناحية بارباتين (جهاني) حيث وقع الحادث المؤسف، والذي سرق منا حوالي 50 شخصا، بين قتيل وجريح، كنت قد حلقت فوقها قبل أيام قليلة بالطائرة، في رحلتي من كلومبشار لأرفود، ثم من أرفود إلى بني عباس، وهي بلاد وعرة جدا، وبالتالي فهي مناسبة بشكل كبير لنصب الكمائن.

هذه الحلقة الأخيرة، ليست سوى النتيجة المنطقية للأحداث السابقة، حيث اعتمدنا تصرفا بالتأكيد غير مناسب، إذ جرأ الجيوش علينا، بعدما تركت أفعالها دون عقاب، جعلهم يعتقدون يوما بعد يوم، أنه يمكنهم فترة بعد أخرى، الاقتراب من كلمبشار، بل والتوغل فيها بنفسها، وتجدر الإشارة إلى أن تافلالت، هي منطلق كل الهجمات، وهناك يجب تنظيم بعثات للاستطلاعات.

بلقاسم النكادي جمع مع ما بين 300 أو 400 من الأشرار يكونون حرسه الإمبراطوري، مدعما من آيت حمو، الذين صاروا رحلا، فجاؤا يطلبون التموين بالقرب منه، فأثار الفزع في كل القصوريين، وأصبح سكانها يريدون منا المجيء عندهم، لوضع حد للتجاوزات القاسية التي يعانون منها.

يمكن لي أن أقدم لكم إفادات في هذا الموضوع، ذلك أني توصلت من أرفود بـ22 طلب صادر عن جماعات تافلالت، والتي تؤكد بأننا مكسب لها، وتطالب بتدخلنا. علاوة على ذلك عندما كنت في أرفود، جاء وفد يمثل تافلالت، المكونة من ستة مناطق، ولم تتخلف منها إلا واحدة، للتعبير عن رغبة السكان المستقرين، في العيش معنا بسلام، مطالبين تخليصهم من بلقاسم النكادي وأتباعه، الذين عجزوا عن مقاومتهم، ولم نرد بعد على طلباتهم الملحة هذه.

ضباطنا ليسوا مخولين حتى لحماية أنصارنا بشكل فعال، في (ريشزغارا) على سبيل المثال، بعيدا عن أرفود ببضع كيلمترات، على حدود النخيل، حيث يحافظون على استقلالهم بصعوبة بالغة.

إنها ليست مسألة تنظيم بعثة عسكرية، فيكفي بالنسبة لنا ما تم تأسيسه في أرفود على الرأس الشمالي لتافلالت، علينا أن نحتل فيي ضواحي الواحات بعض النقاط الختارة جدا، في المنطقة المجاورة مباشرة للقصور الصديقة، لنكون قادرين على تزويدهم بالمساعدة، عندما يحتاجونها، وذلك في الوقت المناسب، من ناحية أخرى، تمكننا تلك الاحتلالات من مراقبة الممرات، والقادم فيها من الناس، لمنع وصولهم لتافلالت، وبذلك سيوجد بلقاسم النكادي قريبا، متخلى هو نفسه عن البلد، لأنه صار غير آمن فيه.

بناء سكة حديد كلومبشار أرفود، الذي تقرر من قبل السلطات الجزائرية والمغربية العليا، لكنه لم يخضع بعد لأي إجراء تنفيذي، أو حتى الشروع في دراسته التقنية، مما يسهل القيام به منفردين.

القرارات التي اتخذت بالاتفاق المتبادل، من قبل السلطات المغربية والجزائرية في كلمبشار هذا العام، إذا ما تم تنفيذها بجدية، ستضع بالتأكيد، حدا لهذا الوضع، أما إذا استمرينا في هذا التقاعس الحالي، فمن المحتمل أن نعرف كوارث حقيقية في المستقبل.

لم تسفر المطاردة عن أية نتائج مثيرة للاهتمام، فكما هو الحال دائما، تفرق الجيش، وساد الصمت على تلك المعركة المأساوية الجديدة، التي لم يكن لها أي تداعيات في مجلس النواب، المنشغل بحوادثه البرلمانية أكثر إثارة من هذه، ومع ذلك فإن جهاني بعد منوارا، أيت يعقوب، وعطشانا، طرحت مسألة تافيلالت، وأمن المغرب، وأمن الحدود الجزائرية المغربية المترابط.

———

L’Afrique Française 1929 pp: 482-484

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *