لماذا اخترنا الملف؟

عرف الإنسان الجريمة منذ قديم الزمان؛ وأول الجرائم التي وقعت في تاريخ البشرية هي جريمة القتل؛ حين قتل قابيل أخاه هابيل؛ كما جاء في القرآن الكريم مفصلا في سورة المائدة؛ واستمرت الجرائم بعد ذلك تتكاثر وتتنوع وتختلف وتتطور بتطور الحياة وتعقد دروبها.
ونحن في هذا الملف لا نريد أن نخوض في التفسير القانوني ولا الاجتماعي ولا النفسي للجريمة، ولا الخوض في أنواعها وتقسيماتها؛ بل نريد تسليط الضوء على مفهوم الجريمة باعتبارها سلوكا عدوانيا ضارا بالمجتمع، نريد الوقوف على الحالات والعدد الكبير لعمليات السطو والضرب والجرح والخطف والقتل والاغتصاب؛ والانتشار المهول للسيوف والسواطير والأسلحة البيضاء.
نريد أن نضع أيدينا على السبب الحقيقي وراء انتشار ظاهرة السطو؛ ونسلط الضوء على الارتفاع الكبير لعمليات السرقة في الشوارع والأزقة والبيوت تحت إكراه السلاح.
نريد أن نعلم من يذكي نار الجريمة ويسعرها؛ ويجعل العديد من الأحياء الشعبية تعيش في رهاب وخوف وهلع من المجرمين والسكارى والمعربدين الذين يجوبون هذه الأحياء ويسطون على أهلها ويفرضون عليهم حظر تجول في ساعات معينة.
نريد أن نكشف هل الحملات التمشيطية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بين الفينة والأخرى كافية في الحد من الظاهرة، وهل تعزيز الموارد البشرية والمالية للسلطات المحلية والشرطة من شأنه أن يضع حدا للظاهرة؟
ثم هل هذه الأجهزة هي المسؤولة فقط عن ارتفاع نسب الجريمة؟
وهل الأمية والتهميش والفقر والإقصاء هي الأسباب الوحيدة وراء ارتفاع منسوب الجريمة؟
وهل هناك أسباب أخرى أكثر أهمية وأنجع فعالية في الحد من الجريمة؟
وما هو الدور الذي يلعبه التدين في الحد من الجريمة؟
ولماذا لا يتم التركيز على أهمية الدين في محاربة الجريمة، وعند وضع مقاربات لعلاج الظاهرة.
فتاريخنا الإسلامي حافل ومليء بالأحداث والعبر التي تكشف بجلاء دور التدين في علاج الجريمة.
فهذا العالم الزاهد الناسك الورع الفضيل بن عياض؛ الذي يغني ذكر اسمه عن إيراد ترجمته؛ كان قبل توبته قاطع طريق، وليس أي قاطع طريق!! وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو قوله تعالى: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ..” فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خَرِبة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا. قال الفضيل: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مُجاورة البيت الحرام.
قال الإمام الذهبي تعليقا على هذه القصة: وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك خلق صاروا أفضل الأمة. فنواصي العباد بيد الله، وهو يضل من يشاء ، ويهدي إليه من أناب.
فلا شك أن الإرادة الصادقة والنظرة البعيدة والمقاربة الجادة تستلزم على المسؤولين الساهرين على حماية أمن هذا الوطن وضع إستراتيجية متكاملة للحد من ظاهرة الجريمة؛ تأخذ بعين الاعتبار ودون حساسية كل الجوانب المؤثرة في هذا الموضوع.
بداية بالتأطير الديني وتربية الشباب منذ نعومة أظفارهم على العقيدة الصحيحة والسلوك القويم؛ وتفعيل الدور التربوي للمؤسسات التعليمية انطلاقا من هذه المرجعية، وتوفير فرص العمل للعاطلين، ومحاربة السكن العشوائي، وسن نظام عادل وصارم في مجال العقوبات يتوافق وما نصت عليه الشريعة الإسلامية في هذا المجال، وتحسين ظروف عمل وأداء الجهاز الأمني حتى يكون فعالا وقريبا من عموم المواطنين.
وحتى نجلي الصورة أكثر حول هذا الموضوع الهام والحساس؛ ارتأينا فتح هذا الملف.
(ن.غ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *