«دومينيك دو فيلبان»: فرنسا تُجر إلى حرب خارج السيطرة

لا تزال عاصفة حادث الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” تتفاعل داخل فرنسا بقوة مثيرة تساؤلات عدة داخل المجتمع الفرنسي الذي اتفق على إدانة الحادث واختلفوا حول أسبابه ومبرراته.
فقد حرص الموقف الرسمي للدولة على التوقف عند نقطة أنه حادث «إرهابي» من قبل إسلاميين «متطرفين» وحاولت الحكومة المضي قدما في هذا الاتجاه وفقط.
لكن «دومينيك دو فيلبان» رئيس الوزراء الفرنسي السابق طلع بتصريحات تسير عكس التيار الرسمي، فعلاوة على إدانته للحادث، فقد حمّل الدولة الفرنسية والغرب عموما المسؤولية الكاملة عن حدوثها، حيث اتهم الغرب بالمسؤولية عن إنشاء ما وصفه بالإرهاب الإسلامي.
وكان دو فيلبان قد قال في مقابلة متلفزة مع قناة «بي اف أم تي في» الفرنسية الخاصة، تعقيبا على حادث الهجوم على الصحيفة: «حان الوقت أن نتعلم في أوروبا والولايات المتحدة من تجربة الحرب على أفغانستان؛ ففي عام 2001 (موعد بدء الحرب الأمريكية في أفغانستان) كان لدينا بؤرة إرهاب واحدة، أما الآن وبعد خوض عمليات عسكرية على مدار الـ13 عاما الماضية شملت أفغانستان والعراق وليبيا ومالي أصبح لدينا نحو 15 بؤرة إرهابية بسبب سياستنا المتناقضة» كما جاء على لسانه.
واعتبر دو فيلبان أن «تنظيم الدولة الإسلامية»، «وليد مشوه ونتاج للسياسة الغربية المتغطرسة والمتقلبة».
ورأى أن ما وصفه بـ«الحرب المتهورة» على العراق في عام 2003 قدمت الدعم والمساندة لنظام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي استخدم «اللعبة الطائفية بين السنة والشيعة».
وحذر من «صعود سريع لقدرات تنظيم الدولة الإسلامية؛ حيث كان عدد المنتمين إليها قبل بضعة أشهر يبلغ بضعة آلاف أما الآن فعددهم يتراوح ما بين 20 و30 ألفا، وذلك نتيجة للتناقضات لدينا».
كما حذر من شن حرب في منطقة تعاني من الإرهاب وتشهد «أزمات هوية»، معتبرا ذلك بمثابة «صب للزيت على النار»، قائلا: «نحن بهذه الحرب نخوض مخاطرة توحيد العديد من الجماعات الإرهابية ضدنا ونقدم لهم خدمات لم يكونوا يتوقعونها».
وفي معرض انتقاده للسياسات الأمريكية والغربية عموما في فتح جبهات عدة للحرب قال دو فيلبان: «الغرب سيشن حربا ضد خلافة تنظيم الدولة في العراق وسوريا اليوم، وغدا سنفتح بؤرة أخرى للإرهاب وسيكون علينا خوض حرب أخرى على الخلافة في ليبيا».
وأضاف: «كل حرب سنخوضها علينا أن نخوض أخرى لمعالجة عجزنا وعدم كفاءتنا في الرد على التهديدات الإرهابية» على حد وصفه.
وفي مقال نشر له قبل عدة أيام بصحيفة لوموند الفرنسية، قال دو فيلبان إن فرنسا تُجر إلى حرب خارج السيطرة، مؤكدا ضرورة المحافظة على القيم الديمقراطية للدولة الفرنسية وتعزيز كل السبل لبناء «إسلام فرنسي» معتدل بعيد عن التطرف.
تأتي هذه التصريحات لتوضح سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الدول الغربية في التعامل مع أمثال هذه الهجمات التي تلقى تعاطفا وتعبئة في الغرب مع ضحاياها، وتنسى متعمدة ضحايا آخرين فقط لكونهم مسلمين وعربا.
ففي سوريا وفي عام 2014 فقط وثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي (للعام المنصرم 2014) سقوط قرابة 60.000 قتيل، قضى معظمهم بسبب البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام السوري على المدن والقرى السورية.
60 ألف قتيل لم يبكهم أحد، ولم يتعاطف معهم، ولم تحشد أوروبا «الإنسانية» طاقتها وإعلامها وحقوقييها للدفاع عنهم، ولم يكتب أحد «كلنا سوريا» على غرار «كلنا شارلي إيبدو».
ويرى مراقبون أنه على العالم الغربي إن كان صادقا مع نفسه متسقا مع ذاته أن يدين جرائم القتل والإرهاب جميعها، ويعمل على إيقافها ومحاسبة مرتكبيها، ويتوقف عن فتح مزيد من جبهات القتال في البلاد العربية والإسلامية، عندها فقط يمكن أن يتعاطف معه إن نزلت به مصيبة، وهذا ما رمى إليه دومينيك دو فيلبان من تصريحاته التي تعد بمثابة شهادة إدانة للغرب على طريقة وشهد شاهد من أهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *