نظرا لوعي الدول الغربية بصفة عامة وأمريكا على وجه الخصوص بخطورة دور المسجد وقوته في التصدي والمقاومة لأي غزو سواء كان عسكريا أو ثقافيا.. فقد أولى باحثو مركز “راند” اهتماما كبيرا في تقريرهم لهذه السنة (2007).
فقد ركز التقرير في فصله الأول (المقدمة) على ما يعتبره “خطورة دور المسجد” -ضمن هجومه على دعاة الالتزام الفعلي بأحكام الدين الإسلامي- باعتبار أن المسجد هو الساحة الوحيدة للمعارضة على أسس الشريعة؛ ولذلك يدعو لدعم” الدعاة الذين يعملون من خارج المسجد”!
فالدعاة الذين تريدهم الإدارة الأمريكية هم دعاة أمثال علي عبد الرزاق المؤسس للعلمانية في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” والذي اعتبر فيه أن الخلافة الإسلامية كانت ولا تزال ينبوع شر وفساد، حيث قال: “..لا يتوقف صلاح المسلمين في دنياهم على ذلك النوع من الحكومة التي يسميها الفقهاء خلافة، فلسنا في حاجة لتلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئت لقلنا أكبر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين، وينبوع شر وفساد”.
وكان التوقيت (1925م) لصدور كتابه هذا ذا دلالة خبيثة بكل المقاييس، ذلك أنه أصدره لإجهاض محاولات إحياء الخلافة آنذاك، بعد إلغائها (1924م) على يد الماسوني كمال أتاتورك.
فهؤلاء العلمانيون يقفون من خارج المسجد بكتبهم وجرائدهم ومؤسساتهم.. أعداء لتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة أنحاء العالم الإسلامي، ويقفون دائما مطبلين ومزمرين لكل ما تنتجه أدمغة الساسة الغربيين، أو من يُطلق عليهم اسم المفكرين الإسلاميين الجدد ممن تتلمذ على تراث أمثال علي عبد الرزاق.
إن المسجد المقصود إفراغه من محتواه في هذا التقرير هو مسجد البلدان الإسلامية كدول الخليج العربي.. التي ما زالت تسمح لهذه المؤسسة العظيمة بممارسة دورها الشرعي الأصيل في تأطير سلوك المواطنين وتنظيم العلاقة بينهم مما يجعلها بالفعل مؤثرة في الحياة العامة وتمارس فعلا معارضة للأفكار العلمانية التي تروم تقليص دور الشريعة الإسلامية واستبدالها بالقوانين الوضعية.