استطلاع رأي

لحسن العسبي
صحفي
(أستاذ مادة تاريخ الصحافة بالمعهد العالي للصحافة والإعلام)

هل ترى أن هناك فرقا بين الصحافة الفرانكفونية والصحافة الوطنية المكتوبة بالفرنسية؟
هي أولا صحافة نخبوية، وهي مندرجة في باب توسيع هامش اللغة الفرنسية بالمغرب وترسيخها أكثر. وهذا مندرج على كل حال في استراتيجية الدولة الفرنسية لحماية لغتها ومصالحها عبر العالم.
وقوة تواجد هذه الصحافة محدود في بلداننا المغاربية وبعض البلدان الإفريقية بدول الساحل. وأثرها محلي أكثر ولا إشعاع دولي لها، بسبب أن اللغة الفرنسية تراجعت كثيرا عالميا أمام الإنجليزية والإسبانية والصينية.
مغربيا، يمكن التمييز بين الصحافة الفرانكوفونية المرتبطة بالإستراتيجية الفرنسية العامة لحماية مصالحها الحيوية عبر العالم وضمنها في المغرب؛ وبين الصحافة المغربية الناطقة بالفرنسية لكن المندرجة ضمن سياق مشروع وطني مغربي.
فالأولى تدافع عن خطاب فرنسي محض فيما الثانية هي أداة لتبليغ صوت مغربي عبر لغة أروبية وازنة على مستوى التواصل وإنتاج العلم والأدب والفنون، إلى جهات غربية متعددة.
وهذا أمر قديم في المغرب، ذلك أنه حتى الحركة الوطنية المغربية، سليلة الحركة السلفية المغربية المتنورة، كانت تلتجأ إلى اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية والإسبانية) لتبليغ رأيها في قضايا مغربية إلى الخارج.
بالتالي، فإن المشكل اللغوي بالمغرب اليوم، يطرح فعليا اتساع مجال اللغة الفرنسية عموميا وعبر وسائل الإعلام على حساب اللغة العربية، وهذا يطرح إشكالا ليس تواصليا فقط، بل إشكالا في حماية منظومة القيم التي تنتجها اللغة في بلد مثل بلدنا الذي له شجرة أنسابه في الحضارة خاصة به وبأبنائه.

أبو زيد المقرئ الإدريسي
(أستاذ جامعي؛ متخصص في اللسانيات)

ما هي أبعاد ودلالات ومعاني مصطلح الفرانكفونية؟؟
الفرنكفونية مصطلح استعماري بامتياز، صاغه وهندسه دهاقنة الاستعمار الفرنسي الذين سيطروا على غرب إفريقيا وشمالها، ثم سيطروا بعد ذلك على أطراف واسعة من شرق آسيا وآمنوا بدهائهم وذكائهم أنه لا سبيل إلى استمرار سيطرة فرنسا على هذه المناطق بعد خروجها منها عسكريا إلا بالهيمنة اللغوية.
ولا غرابة ففرنسا وهي البلد الذي قضى في القرن السادس عشر على كل اللغات المنافسة للغة الفرنسية على التراب الفرنسي قضاء مبرما وبطرق أبعد ما تكون عن الديموقراطية التي يزعمون، واتخذ ملك فرنسا سنة 1537 قرارا بتجريم أي لغة أخرى غير اللغة الفرنسية وبذلك وحد الدولة الفرنسية وأوجد الأمة الفرنسية، ولولا هذا القرار لما كان هناك اليوم شيء اسمه فرنسا والشعب الفرنسي والثقافة الفرنسية.
ولأنهم يعون هذا يريدون من العالم الذي خرجوا منه عسكريا واستمروا فيه اقتصاديا وسياسيا أن يهددوا هذا الاستقرار بالغزو الثقافي عن طريق اللغة وبالغزو الحضاري وبالغزو المعرفي وبالغزو النفسي، وهذا لا يتم إلا عن طريق اللغة.
عندما حاسب المعارضة في البرلمان الفرنسي الرئيس دوغول، في الستينيات عن النفقات الباهظة التي ينفقها على الفرنكفونية أجابهم بقولته المشهورة: “qui parle français achète français”، معناه أن الذين استعمرناهم لغويا سوف نستمر في استعمارهم اقتصاديا، ولهذا بين لهم في نفس الجواب أنه في كل فرنك ننفقه على الدعاية الفرانكفونية يعطينا ست فرنكات أرباح اقتصاديا.

النقيب عبد الرحمن بن عمرو
(محام وناشط حقوقي)

ما الذي تغير منذ دعواك القضائية ضد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخصوص مراسلاتها باللغة الفرنسية، في ظل حكومة منتخبة ودستور جديد وعدد من المتغيرات؟
الوضع لم يتغير، هو وضع غير قانوني وغير شرعي طبقا لمقتضيات الدستور، ليس فقط الدستور الأخير بل مختلف الدساتير التي عرفها المغرب منذ 1969م وهي تنص على أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية، سواء داخل الإدارة أو في علاقة الإدارة مع باقي الإدارات أو في علاقتها مع المواطنين، إلا أن الواقع يخالف ذلك لأن الإدارة المغربية في أغلبها لا زالت مفرنسة، والمؤسسات العمومية تكاد تكون كلها مفرنسة، وحتى القطاعات العامة التي يجب أن تلتزم بمقتضيات الدستور مثل البنوك وشركات التأمين لا تستعمل العربية وإنما تستعمل الفرنسية.
معنى استعمال لغة أجنبية غير مرسمة أن جميع التصرفات والعقود والقرارات الصادرة بغير اللغة الرسمية تعتبر باطلة. إلا أنه مع الأسف القضاء المغربي الذي لا زال غير مستقل لا يرتب البطلان على الوثائق المقدمة إليه بلغة أجنبية، وكل ما يفعله إذا ألح على ذلك أحد الأطراف هو الأمر بالترجمة، وأحيانا لا يمتثلون إلى هاته الترجمة.
وليس من المعقول أن الأمم المتحدة تستعمل اللغة العربية وتحترمها بينما الإدارة المغربية تتجاهل اللغة العربية.
فإذن هناك حرب ضد العربية والذي يتحمل المسؤولية في محاربة العربية وعدم تعميمها هو النظام السياسي المغربي بمختلف المكونات، والمسؤولية أيضا ترجع إلى المثقفين والأحزاب، ومشكل الأحزاب كذلك إما أن تكون مفرنسة؛ أو أصحابها مفرنسون؛ أو ليس لديهم شعور بالغيرة ومن يحمل المشعل قلة محدودة، وأعتقد أن المشكلة وراءها فرنسا ووراءها متفرنسون أو ممن لديهم مصالح معها، والذين يوجدون في السدة كلهم مفرنسون فرانكفونيون، ولذلك لم يسمحوا بالتعريب، ويعرقلونه بكيفية مباشرة وبمختلف الأساليب، هذه دولة فرانكفونية إلى القمة.

سارة عبد الله التوافري
(طالبة بالمعهد العالي للصحافة والإعلام)

بحكم ازديادك وترعرعك ودراستك بالسعودية، قبل عودتك لبلدك الأصلي المغرب، هل من ملاحظات ومفارقات بخصوص لغة التواصل والتعلم، سواء في الشارع أو الإدارات والمدارس وغيرها؟
نعم هناك فرق كبير جدا، ففي السعودية اللغة المعتمدة ولغة التواصل والتعليم والإدارة هي العربية، أينما حللت وارتحلت في المستشفى أو الشركة أو البنك، لا شيء غير العربية.
وهذا لا يعني أنهم لا يتعلمون اللغات الأجنبية، فقد كنا نتعلم اللغة الإنجليزية، لكن كلغة فقط، بمعنى أننا لا ندرس بها مواد أخرى كما هنا في المغرب، فاللغة العربية هناك هي اللغة التي نتعلم بها باقي العلوم والمواد والفنون.
هل واجهتك أي صعوبات لدى عودتك للمغرب، خاصة أنك لم تتلقي أي تعليم باللغة الفرنسية؟
نعم؛ فعلا أواجه صعوبات جمة هنا بالمعهد، وفي الامتحانات تكون أجوبتي بالعربية حتى بالنسبة للمواد التي ندرسها بالفرنسية.

بشرى الردادي
(طالبة جامعية)

باعتبارك طالبة جامعية؛ ما هي الأعطاب التي يخلفها التعليم باللغة الفرنسية حالا ومآلا من وجهة نظرك؟
رغم وجود مادة الفرنسية في المقررات الدراسية، إلا أن جودة تدريسها لا يرقى إلى المستوى المقبول إطلاقا، والدليل هو ناتج هذا التدريس.
نتحدث هنا عمن لم تتوفر لهم لا الظروف الاجتماعية ولا المادية لإتقانها كلغة ثانية، مقارنة بآخرين حظوا بترف التعليم الخاص لدرجة يساورك فيها الشك إن كانت فعلا هي اللغة الثانية أم اللغة العربية. ما يحز في نفسي أكثر هو تأثير هذا النقص على ميولات الطلاب؛ فتجد طالبا مميزا في المواد العلمية كالفيزياء والرياضيات مثلا يختار توجها أدبيا لا يرتكز على اللغة الفرنسية بالدرجة الأولى فقط ليبتعد عن شبحها المخيف فنكون بذلك خسرنا نابغة من النوابغ.
نظامنا التعليمي مخرب نهائيا والسبب كونه مجرد نسخة معربة من التعليم الفرنسي.
لقد صدقت يا سيادة الوزير، فعلا “والله أوباما ما عند باباه هاد الإعدادية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *