تـداعيات خطيرة لهزيمة «إيسلي»

بعد هزيمة إسلي لم يكن المغرب قادرا على حماية حدوده، وإنما الذي حماه هو الصراع الخفي والظاهر الذي كان بين دول الاحتلال وقتها وداخل فرنسا، فبعد انجلاء المعركة التي فتحت باب الشر على المغرب دون أن يكون لعمل المغاربة وقتها أي فائدة فقررت فرنسا معاقبة سلطان المغرب، بل إن الجنرال بيجو وبنشوة المنتصر كان يريد الزحف إلى مدينتي تازة وفاس لو لا تدخل الإنجليز حين اتهم «روبير بيل» فرنسا بأنها تريد ضم المغرب، ورفض كل التأكيدات التي قدمها «غيزو» وأعلن «أبرودين» وزير خارجية بريطانيا للقائم بالأعمال الفرنسي «إني أريد إيجاد صعوبات لميسيو غيزو، ولكن كن متأكدا أن احتلال فرنسا النهائي لنقطة ما من السلطنة المغربية سيكون حالة حرب».
بعد هذه المعركة فرضت فرنسا معاهدة طنجة بين ممثل السلطان عبد الرحمن بن هشام؛ الحاج أبو سلهام أزطوط؛ وبين ممثل ملك فرنسا «لويس فيليب» ماري أنطوان دونيون في 2 شعبان عام 1260 الموافق 17 غشت سنة 1844.
واعترف المغرب في المعاهدة بأن الجزائر جزء من فرنسا، وأقر باعتبار الأمير عبد القادر خارجا عن الشريعة، ومعاقبة الذين تسببوا في الخصومات التي ارتكبها المغاربة في أرض الجزائر وغيرها…
وبعدها فرضت فرنسا أيضا على المغرب معاهدة للامغنية وذلك في 4 ربيع الأول عام 1261 الموافق ل 13 مارس 1845 وتضمنت سبع بنود، وتركت الحدود مبهمة بين المغرب وفرنسا بالجزائر، وقد تعمدت فرنسا ذلك لتتمكن فيما بعد من التوغل في المغرب.
وكان من آثار هذه الهزيمة المدوية إسقاط ما كان يؤديه الدانمارك والسويد للمغرب، فالأول كان يدفع خمسة وعشرون ألف ريال، والثاني يدفع عشرون ألف ريال، وكذلك أسقطت عن غيرهما وظائف أخرى.
وبعد معاهدة للامغنية بثلاث سنوات وبالضبط في 1848 احتلت إسبانيا الجزر الجعفرية ووسعت نفوذها انطلاقا من سبتة ومليلية، مما أدى إلى معركة تطوان(1859-1860) حيث تم احتلال مدينة تطوان في 6 فبراير 1860 وقد خلفت هذه الحرب سقوط حجاب الهيبة عن المغرب واستطال النصارى بها، وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله، وأبرم المغرب معاهدة مع إسبانيا يوم 26 أبريل من نفس السنة، أتت كخاتمة لحرب تطوان.
عمقت بنود المعاهدة الهزيمة المغربية في تلك الحرب، عبر منحها تنازلات مهمة لإسبانيا، من أهمها: توسيع مساحتي سبتة و مليلية على حساب أراض مغربية، وتفويت إيفني لإسبانيا، إضافة لامتيازات مالية لفائدة الحكومة الإسبانية (100 مليون بسيطة =20 مليون ريال)، وسبب ذلك في إفراغ حزينة المغرب وتنازله عن 50% من مداخيله الجمركية لصالح إسبانيا.
وأمام هذه الأوضاع المأساوية وضعف الموارد التجأ المغرب إلى الاقتراض من إنجلترا مقابل التنازل لها عن 25% من رسومه الجمركية، وبذلك أصبحت مداخيل المغرب الجمركية تحت مراقبة الأجانب، ففرضت بريطانيا على المغرب معاهدة تجارية سنة 1856 حصلت بموجبها على امتيازات ضريبية وقضائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *