الأخطار التي تهدد بلدنا عديدة ومتنوعة؛ إلا أن خطر المساس بالعقيدة يبقى أحد أكبر هاته المخاطر على الإطلاق.
فبين الحين والآخر تكشف السلطات الأمنية عددا من خلايا التنصير النشطة، والتنظيمات السرية لمجموعات إنجيلية ومدارس للتلمذة الروحية، فقد سبق للسلطات المغربية من قبل أن ألقت القبض على مجموعة من المنصرين بكل من مدينة مراكش والرباط وأصيلة والدار البيضاء وأكادير بتهمة العمل على تحويل المسلمين عن دينهم؛ وكشفت فضيحة (قرية الأمل) مؤخرا حقيقة المخطط التنصيري الخبيث وما كان يصبو إليه؛ وأعادت فتح النقاش حول خطورة التنصير وتغلغله في المجتمع المغربي؛ وضرورة حماية الأمن الروحي للمغاربة؛ وكشفت أن مخططات التنصير آخذت في التجدد يوما بعد آخر؛ وأن غياب استراتيجية وقائية متكاملة قد يورد بلدنا المهالك؛ ويحرمنا من نعمة وحدة العقيدة التي ننعم بها.
وقد تنبَّه المغاربة منذ القدم إلى خطورة الحملات التنصيرية؛ وفهموا المرامي والأهداف وراء شنها، فوقف في وجهها العلماء والخلفاء والأمراء والولاة والمفكرون وعامة الناس، بحسب قدراتهم العلمية والسلطانية، وقامت ردود علمية على النصرانية المحرَّفة؛ وقامت كذلك تنبيهات ورصد للأنشطة التنصيرية.
وقد كان المُنَصرون في طليعة المُستكشفينَ الذين حلوا في جل البلدان المستعمرة ومنها المغرب، ومَهَّدوا للاحتلال قبل قدومه، كـ”شارل دو فوكو” و”دومنيك باديا” وغيرهم من المستشرقين والمنصرين الذين عملوا على تنصير سكان المغرب لاعتقادهم أن التنصير هو السبيل الوحيد لضمان ولاء سكان المغرب المسلمين لفرنسا المحتلة.
والحق أن الغزو الحديث للأمة الإسلامية جاء بالسيف والمحراث كما قال المرشال بيجو، أو بعبارة أخرى جاء بالمدافع والنهب الاقتصادي، ثم تلاه غزو فكري، ارتكز على الثالوث المشهور: الاستعمار والتنصير والاستشراق، لأن غزو العقل يضمن تأييد التبعية والانقياد حتى بعد انتهاء الاحتلال العسكري.
فحملات التنصير التي تستهدفُ العالم الإسلامي بصفة عامة؛ والمغرب بصفة خاصة؛ وتستغل ضعف الوعي الديني؛ وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية لتحويل المسلمين عن دينهم وزعزعة عقيدتهم؛ ليس الغاية وراءها الرحمة بهؤلاء المعوزين والشفقة عليهم كما يصور المنصرون والعلمانيون المستلبون؛ ولكن لأن التنصير هو السبيل الوحيد لضمان ولاء سكان المغرب التام للغرب وتبعيتهم له؛ فالعلمانية تستغل النصرانية المحرفة التي تعمل تحت شعار (دع ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر) كوسيلة لإعادة تشكيل عقلية المسلم وخلق أقليات داخل دول استعصت عليها قرون عديدة.
فإذا كان من المقرر عند كل مسلم أن دينه هو الحق المبين، وأن ما عداه من الديانات كالنصرانية وغيرها؛ ديانات باطلة حُرفت ونُسخت بالإسلام؛ أو ضلالات وقع فيها البشر جهلاً منهم بحقيقة الدين والمعتقد الصحيح؛ وأن المسلم لا يسعه أبدا الخروج من الإسلام طوعا بعد أن دخل فيه؛ إذا كان كل ذلك مقررا فإن العلمانيين كعادتهم لا يكلون ولا يملون من المطالبة بالسماح للمنصرين وغيرهم من الطوائف والملل الأخرى بالدعوة إلى عقيدتهم داخل التراب الوطني؛ بدعوى حرية المعتقد وما نصت عليه اتفاقيات حقوق الإنسان في هذا المجال.
ويستاءلون عن سبب منع المسلمين للمنصرين من الدعوة في بلدانهم، علما أن الغرب يفتح أبوابه للدعاة المسلمين كي يبلغوا دعوتهم في بلده؟
ويصفون تدخل الدولة الأخير اتجاه المنصرين باللاديمقراطي واللاحداثي؛ وأن الدولة ما أقدمت على هذا الفعل إلا خشية من رد فعل الإسلاميين إن انتشر خبر التبشير في مملكة الإسلام..؛ وكأن الدولة المغربية هي دولة لا دينية ولا يهمها أمر الإسلام والمسلمين في شيء.
إن أعين أعداء الملة والدِّين لم تغفل عن هذا البلد الأمين؛ واستهدافه -بحكم انتمائه الديني وموقعه الجغرافي- عقديا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا، فالمخطط واضح بين، وجلُّ المتتبعين لهذا الشأن يدركون ذلك، ويدركون أيضا أن منفِّذ أجندة الغرب داخل التراب الوطني بقدِّها وقديدها هم العلمانيون المستلبون.
لا شك أن مسؤولية حماية الأمن الروحي كبيرة ومشتركة بين المغاربة جميعا، أفرادا وجماعات؛ حكومة وشعبا؛ للوقوف أمام هذا الزحف المسموم الذي يستهدف كل فرد من أفراد هذه الأمة بصفة عامة؛ والفئة التي تعاني من الهشاشة العوز بصفة خاصة.
ولتسليط الضوء حول هذا الملف الشائك؛ وبيان خطورة الاختراق العقدي والمساس بالأمن الروحي؛ وكشف مخططات العلمانيين ودفاعهم عن التنصير؛ وحرية الردَّة عن الإسلام؛ ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.