الصراع بين القديم والجديد

كان من جراء الانبهار بالحضارة الغربية الإصابة بمرض التقليد وبروز الدعوة إلى التجديد، دون وعي ولا تبصر، ودون ضابط أو شرط.

ونشأ الصراع بين القديم والجديد، أسوة بما حدث في الغرب بدون وجود وعي كاف بمفهوم القديم عند المسلمين، والفرق بينه وبين القديم في الغرب، وتحت وطأة هذا الصراع ظهرت طائفة من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، استطاعت أن تستغل هذه النزعة فأخذوا يرفعون شعارات التجديد ويطلقون أسماء تحمل معاني التطوير والمعاصرة على تحريفاتهم في دين الله بغية التمويه والتضليل، وذلك مثل:
– تجديد الخطاب الديني .
– القراءة المعاصرة .
– نقد الخطاب الديني .
– التراث والتجديد .
وقد استغل العلمانيون هذه النزعة ووجودها عند بعض المنهزمين فكريا، وحملوا على الإسلام باسمها، فأطلقوا اسم القديم على كل ما يمت للإسلام وقواعده بصلة، ووصفوا تراثه بالتزمت، وأحكامه بالجمود، وقواعده بالرجعية، وبالتالي أصبح كل ما هو غير إسلامي سواء أكان غربيا أم شرقيا، تجديدا وتنويرا، وتقدمية…إلخ.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل رفضوا مبدأ الثبات في كل شيء، أصلا كان أو فرعا، لفظا أو معنى، استنباطا أو استدلالا، وادعوا أن هذا هو معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان .
وقد ادعى العلمانيون أن تجديد علم التفسير هو غايتهم المنشودة من أجل إعادة مجد هذا الدين، وادعوا أنه السبيل العصري للاستفادة من القرآن، والطريق الوحيد لتطبيق الدين في هذا الزمن، ورفعوا شعار “تجديد الخطاب الديني”، و”تجديد علم التفسير”، ليخفوا آراءهم العلمانية تحتها، ويتضح هذا من قول د. نصر أبو زيد: “وليست العلمانية في جوهرها سوى التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة”. (نقد الخطاب الديني ص 64).
وكذلك قول د.حسن حنفي الذي ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه د.نصر فلم يدع أن العلمانية هي تأويل الوحي بل قال: إنها الوحي ذاته، فقال: “نشأت العلمانية استردادا للإنسان لحريته، في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفضه لكل ألوان الوصايا عليه، ولأي سلطة فوقية، إلا من سلطة العقل والضمير! فالعلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ”. (التراث والتجديد ص:69).
ويدعي د. محمد أركون “أن الإسلام قد شهد تجارب علمانية فعلية ولكنها لم تسجل على هيئة مبادئ وقوانين كما حدث في الغرب، فلا يكفي أن نردد كالببغاوات بأن الإسلام دين ودنيا، وأنه يستبعد قطعيا فكرة العلمنة، ذلك أن الأديان الأخرى كانت كذلك في المراحل السابقة”. (الفكر الإسلامي قراءة علمية ص:11).
وهذا ما يجعل حربهم والكفاح ضدهم أمرا صعبا.
ولما كانت تلك الشعارات البراقة تحفي وراءها كثيرا من التدليس والكذب والمغالطات، ولما كان ما يدعون إليه لا يمكن أن يسمى تجديدا، ولكنه هدم للدين من الجذور، وإعادة لبنائه في هيكل علماني، كان لا بد من كشف زيوفهم، وبيان المعنى الحق للتجديد وحدوده ومجالاته، والفرق بين ذلك وبين انحرافاتهم التي يسمونها تجديدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *