لم يعد يخفى على أحد الانفلات الأخلاقي الذي تشهده معظم وسائل الإعلام، فالإباحية تُنقل اليوم بشكلها السافر من خلال أفلام وحلقات كاملة تُبث على مدار الساعة ويدور محورها الرئيس حول العلاقات الجنسية التي تجري خارج إطار الزواج، هذا فضلا عن تشجيع الشباب والفتيات على التمرد وخرق الثوابت الإسلامية والأعراف الاجتماعية، كل ذلك يتم عبر السرد المستمر للقصص المثيرة للعواطف والغرائز تحت شعار الانفتاح تجاه الآخر والحرية الفردية!
لمَّا نقرأ أن هناك 8000 نوع من المواد الإباحية المطبوعة في أمريكا وحدها، لما نرى انتشار هذه العقائد الفاسدة في المحطات الفضائية من سحر وكهانة وإباحية وتنصير، ندرك أن الدول الغربية قد قطعت شوطا بعيدا في تطبيع الانحلال بل تقنينه، وذلك بفعل النظام الليبرالي الذي لا يعترف بأي قيمة ولا خلق ويرفع شعار “الغاية تبرر الوسيلة”، هذا في الوقت الذي نجد فيه المسلمين ومنهم المغاربة يعانون آثار تفسخ النظام الاقتصادي الغربي فابتلوا بالتبعية له خصوصا بعد إستراتيجية تشجيع الاستثمارات واستقطاب الراسميل الأجنبي، وما دام الاقتصاد لا يستغني عن الإعلام بوصفه الموجه لذوق المستهلكين أصبح المسلمون ضحايا هذا الوابل من القنوات المضللة ليتابعوا برامجها بدافع حب الاستطلاع، والانفتاح على الآخر.
وقد ساهمت شبكة الانترنت في هذا الانفتاح، وتخيل أن موقعا واحدا فقط من مواقع الإباحية يزوره أربع ملايين وسبعمائة ألف شخص أسبوعيا، هذا موقع واحد فقط، وأنه حُمِّل من موقع واحد من مواقع الأغنية العربية أكثر من خمسمائة وخمس آلاف (505.000) أغنية.
إذا كان جهاز استقبال القنوات الفضائية يستقبل ألف قناة، فكل قناة تبث عشر ساعات فقط -على أضعف تقدير- يعني أن هناك 10.000 بث للأغاني والمشاهد الخليعة مسلطة على رؤوسنا ورؤوس أبنائنا وفتياتنا داخل البيوت.
ثبت من خلال تقريرين نشر جزء منها على شكل وثيقة سرية، أن أمريكا بعد أن فشلت في تقديم نفسها من خلال قناة “الحرة” وإذاعة “سوا” قامت بدعم قنوات عربية لها قبول، لكي تسعى لتحسين صورة أمريكا والإساءة إلى الإسلام من خلال البرامج التي تقدمها، وهذه القنوات هي مجموعةmbc” ” مع إذاعتها وقناة العربية، وسجلت المجموعة وحسب التقرير الأخير سبقاً في الانفتاح على الغرب، ونشر الثقافة ومبادئ الحياة اللانمطية؟
فعلى مستوى “الأديان” سجلت المجموعة عدلا في التعامل مع الديانات المختلفة والمذاهب (ما عدا الإذاعة).
أما قنوات الإباحية والخنا والفجور فقد عمَّت بها البلوى وصارت تشغَل أكبر حيز في القنوات الإعلامية، فلما أجريت مثلا دراسة على خمسمائة فلم طويل، وجد أن اثنان وسبعين بالمائة 72%منها تدور على الجريمة والجنس والعنف، يعني أن هذه الأمور الثلاثة “الجنس، والجريمة، والعنف” لا يمكن أن يخلو منها مسلسل أو “فِلم”.
لقد بات الانفتاح الإعلامي يشكل خطرا واضحا على أمتنا ويمكن إبراز تجليات هذا الخطر في النقاط التالية.
الانفتاح الإعلامي والخطر العقدي
من خلال نشر الشبهات والأمور المخالفة للعقيدة الصحيحة، ومحاربة لله عز وجل ولدين الإسلام ونبي الرحمة والهدى، حيث أن معظم الفضائيات الانحلالية الناطقة باللغة العربية تُدعم من قبل الدول الغربية ماديا وثقافيا، فأغلب برامجها نقل مباشر للصورة الحية لحياة الغربيين وأحلامهم، وطعامهم وشرابهم، والموضة في ملابسهم، ووسائل ترفيههم، وتفاهة أفكارهم فهي أسلحة موجهة ومسلطة لمحاربة دين الإسلام، وتشويه صورته والنيل منه، وإبعاد الناس عنه، ويكفي النظر إلى الأسماء التي تظهر علي الشاشة لمعدي البرامج والمشاركين والمخرجين، لنعلم أن أغلبهم من النصارى المدعومين بالإمكانيات من قبل الغرب لإهلاك الجيل المسلم وتقويض هويته الإسلامية، يسعون في محاولة مستميتة لإذابة الفوارق العقيدة، وجعل المخالف والمنافي للعقيدة الصحيحة هو الأفضل من خلال التركيز على إخراجه في أحسن صورة.
فإذا نظرنا إلى الجهود التي يبذلها أصحابها سنفاجأ أن الميزانية المخصصة لها تصل إلى مائة وثلاثة وتسعين بليون دولار، عدد المجلات الدورية التي تصدرها الكنيسة: 23.800 مجلة دورية قبل خمسة عشر سنة، ارتفع عددها في عام تسعين إلى 30.100 مجلة دورية، بينما المحطات التي تختص بالتنصير فقط تصل إلى 2160 قبل أربعة عشر سنة، ارتفع العدد بعد ذلك قبل ثمان سنوات إلى 3200 محطة.
كل هذه الجهود والميزانيات تصرف إعلاميا لتخريب عقيدة التوحيد عند المسلمين، وإحلال عقيدة التنصير والصليب بدلها، ويدخل في هذه الأفلام ما يعرض فيها من بركة الصليب والقوة التي يمنحها الصليب من إحياء الموتى، ومعافاة الضعفاء بالصليب وشفاء المرضى بالصليب، واستخراج الجن بالصليب، وطرد السحر والأرواح الشريرة بالصليب، وجلب الأمن ودفع الخوف بالصليب..
ومن مظاهر الانحرافات العقدية الخطيرة ظهور أنواع السحر والكهانة والتي تجعل المشاهد ينخدع بمثل هذه المشاهد ويحاول مطابقتها أو مشابهتها، وقد فاقت هذه الفضائيات ما حدث في عصور الجاهلية بمئات المرات، فهذه القنوات في الآونة الأخيرة حملت لنا أفكارا ومعتقدات طالما حاربها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحث على تجنب الوقوع فيها أو اللجوء إليها، فمن ذلك الكهانة والرجم بالغيب، وقراءة الطالع أو ما يسمى بالأبراج، فبعدما غزت هذه الآفات صفحات المجلات والصحف، وألِّفت فيها كتب وتصنيفات، تصف كيفية قراءة الكف والفنجان ومعرفة الأبراج والسحر والشعوذة.
ومن أخطر التأثيرات التي تحدثها متابعة هذه النوعية من الفضائيات: إضعاف عقيدة الولاء والبراء، ومن المعلوم أن هذه العقيدة لها أصلها الأصيل من هذا الدين، كيف لا وقد قال الله تعالى: “لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُون” المجادلة، فالواجب هو محبة المسلمين ومحبة الخير لهم والفرح بكل ما به خيرهم، ويجب عدم موالاة الكفار والتبرؤ منهم لكفرهم والحذر من مودتهم، فمن البرامج ما يقدمه بعض النصارى الرجال والنساء، فتجد المتابع أو المتصل بالهاتف يبدي إعجابه وتعلقه بهم، خاصة إذا كانت المقدمة أو المذيعة امرأة، وأيضا من خلال المقابلات مع الممثلين والمغنيين المنحلين والذي حازوا ظلما وزورا على مصطلح الفنانين، تجد جمهورا عريضا يتابعهم ويتابع إنتاجهم ويتصل بهم عبر هذه الفضائيات ويطلب التوقيع على “أوتوجراف”، ويفرح بذلك ويفاخر به بين أهله وعشيرته، ولا شك أن هذه محبة لهم، وقد ثبت من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ” (البخاري 6168)، وهذا عام في الرجال والنساء.
الانفتاح الإعلامي وإلباس الحق بالباطل
وذلك بتزيين الباطل في أعين الناس حتى يصير حقا مشروعا، وحقيقته أن الشرع قد حرمه وبيَّن حرمته، فمن ذلك أن الفن رسالة وأنه عمل مشروع ورسالة تستحق التقدير، ولذا الفنان يستحق أن نجعله من وجهاء المجتمع ومن شاماته التي تقتدى، فأصبح المغني يتكلم في معضلات الأمة كاحتلال فلسطين والقدس بينما العالِم يتجاهل ويهمش.
كما يسعى الإعلام إلى تمييع المفاهيم والثوابت الإسلامية التي لا مجال للمساس بها، حتى بلغ الأمر أن يعتبر بعض مقدمي البرامج وممثلوا القنوات الفضائية الرقص والخلاعة والتمثيل والغناء عملا لا يؤاخذ الله عليه، حيث يندرج عندهم تحت الكسب من خلال العمل الشريف، فنجد أحدهم يقول عن نفسه إنه رجل ملتزم بأوامر الله، أما ما قدمه من أفعال محرمة في مسلسله هذا وفيلمه ذاك فيكون بحجة الفن!!
وعلى سبيل المثال يستبدلون اسم الخمر بالمشروبات الروحية، والربا بالعائد الاستثماري، والعري بالموضة والفن، حتى أصبح للعري أربع مواسم في السنة، وأصبحت قلة الأدب والانحلال تسمى تفتحا، ونشوز المرأة عن طاعة زوجها حرية شخصية، أما إذا تحللت المرأة وتفسخت وتهتكت بكشف مفاتنها وغنت أمام الأجانب فتلك إذن الفنانة المبدعة وسيدة الغناء العربي.
وسعوا إلى تقبيح اسم الحلال: فمثلاً يتسبدلون اسم الأخوة الإسلامية بالفتنة الطائفية، والحشمة والعفاف بالتزمت والتخلف، والغيرة بالعقد النفسية، والحجاب بالكفن، حتى يضعفوا تمسك الناس بها ويظهرون أن المتمسك بها هو الإنسان المنبوذ الذي خالف المجتمع الذي يعيش فيه.
الانفتاح الإعلامي والتسطيح الفكري
وذلك من خلال الكم الهائل السخيف الذي يقدم من برامج منوعة ليس لها من ذوق أو طعم فكري أو ثقافي، إنما همها هو إشغال عقول الناس بسفاسف الأمور، وذلك من خلال تخصيص فترة الذروة للبث في تقديم سخافات إعلامية لا تبني فكرا جادا بل تسعى إلى تعميم السخافة في قالب فكاهي فيه من تسطيح عقلية المشاهد وكأن أهم ما يقدم هو الضحك أو السخف في زمن نحن بحاجة إلى أن نركز على قضايا الأمة المصيرية ونناقشها بكل جدية في هذا الواقع المؤلم.
فلم تعد الفضائيات تهتم بهوية الأمة العربية والإسلامية، إذ أصبحت تقلد الغرب وما يسير عليه، ويتجلى ذلك عيانا في الكليبات والأفلام الهابطة التي نراها صباح مساء، والجانب الآخر هو ضياع الهوية العربية لدى الشباب العربي، ويبدو هذا جلياً من خلال رسائل “SMS” والاتصالات الهاتفية على البرامج المفتوحة.
ونستطيع القول أن غياب الأخلاق والقيم الدينية لدى بعض المسؤولين والقائمين على هذه القنوات، وكذا ضعف الوازع الديني وعدم الانضباط بالضوابط الشرعية في العمل الإعلامي أنتج هذه الظواهر السيئة المخزية.