مفهوم وأهداف التمويل الغربي

يقصد بالتمويل الغربي: “كافة المنح الآتية من الدول الغربية ومن مؤسسات التمويل الغربية إلى المراكز البحثية والفكرية في العالم العربي سواء كانت تلك المراكز مستقلة أو محسوبة على أحد قطاعات الدولة، وكذلك الدعم الغربي للأفراد والباحثين لخدمة أغراض وأهداف المانح”.

وبعد مراجعة الأدبيات والوثائق الدولية فإنه يمكننا تحديد أهم أهداف التمويل الغربي في الآتي:
1- جمع أكبر قدر من المعلومات عن البلد المتلقي للتمويل الغربي
يعد جمع المعلومات الأساس الذي تبنى عليه أجهزة المخابرات في كافة أنحاء العالم، وفي ضوء تلك المعلومات يتم اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، والدخول للبلد المستهدف من خلال التمويل الغربي ووفق مشروعات يحددها المانح يعمل على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، بقصد أو بغير قصد من المتلقي للتمويل الغربي وفي ذلك يقول “ستانفيلد تيرنر” مدير وكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس كارتر “أن الحصول على المعلومات بالنسبة لبلد مثل أمريكا مهم للغاية، فالولايات المتحدة دولة ذات نشاط عالمي، ولذا فهي تحاول التواجد في كل بقعة من العالم” (منصف السليمي: صناعة القرار السياسي الأمريكي، مركز الدراسات العربي الأوروبي، القاهرة، 1997م، ص:273).
وهذا بدوره يفسر الاهتمام غير العادي من الجهات المانحة في إجراء أكبر كم من الأبحاث الميدانية في المجتمعات العربية بكافة طبقاتها، والإنفاق السخي على تلك الأبحاث التي يلمس المطلع عليها خطرها على الأمن القومي للدول العربية، فضلاً عن مخالفتها لكافة الأعراف العلمية والقانونية المرتبطة بجمع البيانات وإجراء الأبحاث، وتفسير هذا التواجد يثير دهشة “محمد حسنين هيكل” بقوله: “أنا غير راض أساساً على التمويل الخارجي للأبحاث فالمثل الإنجليزي يقول: (الرجل الذي يدفع للزمار هو الذي يقرر النغمة التي يعزفها الزمار)”.. ويضيف هيكل: “..عندما لا يكون لنا رأي في توجيه هذا التمويل للأبحاث، ولا نعلم لمن تقدم نتائج هذه الأبحاث، وفي غياب مفهوم شامل يعطيني كل الصورة، وبدون رقابة أو توجيه، يدخل التمويل للسيطرة على عقل المجتمع ووجدانه، فعندما يكون أحد الأبحاث يمول من “السي آي إيه” أو “المركز الأكاديمي الإسرائيلي”، فهل يعقل أن يكون ذلك طبيعياً؟ وهل يمكن أن نفصل بين موضوع البحث ومن سيستفيد منه؟ فعندما نجد أن 100 مليون دولار من المعونة الأمريكية مرصودة للأبحاث، فلابد أن أسأل ما هو المطلوب؟؟” (محمد حسنين هيكل: في حديثه لجريدة السفير اللبنانية: 17/1/1997م).
ومحاولة للإجابة على هذا السؤال تقول سناء المصري “هذه الإعانات ظاهرها المساعدة الإنسانية، ولكن في حقيقة الأمر فإن المؤسسات التمويلية استخدمت هذه المساعدة لدعم بحوث ودراسات تقدم عن المجتمعات التي يُراد اختراقها، حيث تنتهي كلها إلى مكاتب المخابرات الأمريكية” (سناء المصري: تمويل وتطبيع… قصة الجمعيات غير الحكومية؛ ص:66).

2- قراءة وتحليل المعلومات من قبل باحثين ومفكرين محليين
يمتد الأمر أحياناً إلى استقدام خبراء محليين إلى الدولة المانحة ليقوموا بتقديم تحليلات وتفسيرات للمعلومات التي تم جمعها، فضلاً عن تقديم تقارير مباشرة عن الأوضاع الداخلية للبلاد، وتقديم قراءات وتحليلات لتلك الأوضاع، والإجابة عن الإشكالات التي يستعصي على المانح فهمها حول المجتمعات العربية والظواهر المرتبطة بها، والمانح في ذلك يشتري بالدولارات القليلة التي يدفعها تفسير المعلومة الغامضة بلسان قومها، وبالخلفية المرجعية للخبراء التي تتقاطع مع الخلفيات المرجعية للمبحوثين، ومن ثم يتم فهم المعلومة بالطريقة التي يفكر بها أصحابها.
ولعل ما قدمه “منصف السليمي” يوضح تلك الجزئية، وذلك عندما أشار إلى أن “المؤسسات السياسية تتوخى أسلوب دعوة الخبراء والأساتذة الجامعيين لتقديم تقارير وآراء بشأن المشاكل والقضايا المطروحة قبل اتخاذ القرارات، وخلال السنوات العشر الأخيرة ركزت أجهزة: (وزارة الدفاع الأمريكية؛ ووزارة الخارجية الأمريكية؛ ووكالة المخابرات الأمريكية CIA؛ ولجنة الشؤون الخارجية الخاصة بأوروبا والشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكي) على تكليف مئات الباحثين لإنجاز دراسات وأبحاث حول إحدى الظواهر الدينية في منطقة الشرق الأوسط والمتعلقة بالإسلام السياسي. ويشكل الأكاديميون العرب المقيمون بالولايات المتحدة وقادة الأبحاث والدراسات في الجامعات العربية مجالاً أساسياً للتوظيف والتعاون في هذا الموضوع، نظراً لارتباطهم الاجتماعي والثقافي والحضاري بمثل هذه الظواهر” (منصف السليمي: صناعة القرار السياسي الأمريكي؛ ص:274).

3- محاولة إحداث التوازن قبالة التيارات الدينية في العالم العربي
وفي هذا الصدد يوصي تقرير مؤسسة راند الأمريكية -شديدة الاقتراب من دوائر صنع القرار الأمريكي- والذي حمل عنوان: الإسلام المدني الديمقراطي: بأهمية “دعم التقليديين ضد الأصوليين الإسلاميين وذلك لنظهر لجموع المسلمين وإلى الشباب والنساء من المسلمين في الغرب ما يلي عن الأصوليين الإسلاميين:
– دحض نظريتهم عن الإسلام وعن تفوقه وقدرته.
– إظهار علاقات واتصالات مشبوهة وغير قانونية لهم.
– إظهار هشاشة قدرتهم في الحكم وتخلفهم.
– تغذية عوامل الفرقة بينهم.
– دفع الصحفيين للبحث عن جميع المعلومات والوسائل التي تشوه سمعتهم وفسادهم ونفاقهم وسوء أدبهم وقلة إيمانهم.
وتجنب إظهار أي بادرة احترام لهم ولأعمالهم، أو إظهارهم كأبطال، وإنما كجبناء ومخبولين وقتلة ومجرمين كي لا يجتذبوا أحداً للتعاطف معهم” (شاريل بينارد: الإسلام الديمقراطي المدني (الشركاء والمصادر والإستراتيجيات)، تقرير مؤسسة راند الأمريكية (مؤسسة راند RAND) قسم أبحاث الأمن القومي؛ الولايات المتحدة الأمريكية. أُعد التقرير بدعم ورعاية مؤسسة سميث ريتشاردسون/ الولايات المتحدة، تاريخ إصدار الدراسة: 18/3/2004، ترجمة موقع إسلام ديلي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *