تعريف بمؤتمر مدريد
جاء مؤتمر مدريد، عام 1880، كنتيجة للتسابق والتنافس بين الدول الأوروبية من أجل الظفر بأعين ومصالح وأوراق ضغط داخل المغرب، وكان من شأن ذلك أن يتأتى عن طريق الحماية القنصلية. ورغم المجهودات التي بذلتها الدولة المغربية للحفاظ على وحدتها السياسية والثقافية والاقتصادية، فقد اضطرت في ذات المؤتمر إلى أن تناقش من قبل الدول الاستعمارية في سيادتها على مواطنيها.
وقد وُصِف حال المغرب في هذا المؤتمر بأنه “دخل إلى المؤتمر ضعيفا مهزوز الإرادة ومحفوفا ببارقة أمل، وخرج منه ضعيفا مسلوب الإرادة، ويائسا كل اليأس في إيجاد علاج أدواء التسرب الأجنبي الذي أضحى في نظره المغرب رجل الغرب المريض”. (كريدية إبراهيم، الحماية: أصلها وتطوراتها حتى مؤتمر مدريد 1880، ص 59)
وقد جاءت الاتفاقية في 18 فصلا، عمقت أزمة المغرب ولم تضيق خناقها.
نتائج مؤتمر مدريد
ومن بين أهم المقتضيات التي نصت عليها اتفاقية مدريد، نجد:
“- حرية الممثلين الدبلوماسيين في أن يختاروا من بين المسلمين وغيرهم تراجمة وخداما تشملهم حماية الدولة التي يستخدمهم ممثلها.
– لا يتجاوز عدد المغاربة المحميين 12 شخصا لكل دولة.
– الاحترام والتوقير لأهل المحمي، وحق امتلاك الأملاك العقارية للرعايا الأجانب بالمغرب.
– عدم إعطاء أية حماية خارجة عن القانون أو بوجه التوسط لا تعطى في المستقبل”.
(أسامة هندي، مؤتمر مدريد 1880م: الخلفية والسلوك التفاوضي المغربي، مجلة ليكسوس، العدد 40، نونبر 2021، ص 54)
وقد فرضت اتفاقية مدريد على المغرب تحديين خطيرين:
– اتساع دائرة المحميين وانتشار ثقافة الحماية القنصلية.
– واتساع مضوع الحماية ليشمل ما هو ثقافي وديني وعقدي.
حرية المعتقد في اتفاق مؤتمر مدريد
ليس نقاش حرية المعتقد وليد الزمن المعاصر فحسب، وليس وليد ثقافة المنتظم الدولي وثقافة حقوق الإنسان الكونية فحسب؛ بل له جذور تاريخية في فترة التنازع الإمبريالي بين الدول الأوروبية على استعمار المغرب.
ففي مغرب القرن 19م، وبالضبط عام 1880 م، اضطر المغرب إلى الإجابة على نازلة لم يسبق له بها عهد، وتلك هي نازلة “حرية المعتقد”. لقد كانت هذه النازلة نقطة في جدول أعمال مؤتمر مدريد (1880)، وهي عبارة عن مذكرة رفعها ممثل دولة النمسا-هنغاريا إلى المؤتمر، فلم يجد المغرب مهربا من البت فيها واستنباط حكم شرعي منها.
ولأن القضية كانت من القضايا الدينية المخولة للفقهاء، فقد طلب السلطان آنذاك (الحسن الأول) من قاضي فاس الفقيه محمد بن عبد الرحمان العلوي المدغري تحرير مشروع يعتمده المغرب في القضية، وكذلك كان بعد طلب موقف الفقهاء الموثوقين الراسخين.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذه القضية، أن ممثل الحكومة المغربية في مؤتمر مدريد محمد بركاش رفض المصادقة على نص البيان الخاص بـ”حرية الاعتقاد والتدين”، لأنه لم يتلق في ذلك أمرا من السلطان، ولا قول للسلطان في هذه المسائل إلا بما يحكم به الفقهاء.
(سمير بوزويتة، مقال: “الدبلوماسية المغربية عبر التاريخ”/ (6) و(25)/ نشر بتاريخ 6-08-2022 و6-09-2022)