غزوات رمضان في العهد العباسي والمملوكي

فتح عمورية رمضان سنة 223هـ
بعد قرن من الزمن على معركة بلاط الشهداء، طمع ملك الروم “تيوفيل بن ميخائيل” في بلاد المسلمين، فعبأ جيشه لغزوها خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم.
فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن “زبطرة”، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين.
وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت، وقالت: “وامعتصماه”.
فلما وصل الخبر إلى “المعتصم” خليفة المسلمين فاستشاط غضبًا، وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: “رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب”.
لكن المعتصم لم يستجب لهم، ولم يرضخ لخرافاتهم، وقرر فتح عمورية. وهكذا تم فتح أصعب الحصون الرومانية عمورية في رمضان سنة 223 هجرية.

معارك صلاح الدين الأيوبي في رمضان 583-584هـ
أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فحدث ولا حرج؛ فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في 9 رمضان سنة 583هـ.
معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر -رحمه الله- صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان -رحمه الله- يرفض ويصر على الجهاد.

عين جالوت رمضان سنة 658هـ
وفي 25 رمضان سنة 658هـ حدثت الموقعة التي هزَّت الأرض بكاملها موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامي الباهر بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة 616هـ وإلى سنة 658هـ.
42 سنة متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، فقد استمر المغول في زحفهم المدمر حتى دخلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، واستطاع “هولاكو” -حفيد جنكيز خان- إسقاط الخلافة العباسية، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة.
وواصل هولاكو تقدمه، فاستولى على حلب ودمشق، وكان بغي التتار قد امتد وزاد حتى احتلوا بلدة “الخليل” وبلدة “غزة” من أرض فلسطين، وقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، واستاقوا من الأسرى عدداً كبيراً، ولم يبق أمامه إلا مصر، حصن الإسلام المنيع، وكنانة الله في أرضه.
فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر آنذاك السلطان سيف الدين قطز، ويطلب منه الاستسلام، فأبى السلطان قطز، وأخذ يعد جيوشه وأرسل قوة استطلاعية بقياد بيبرس الذي استطاع أن يهزم إحدى الفرق المغولية .
ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى حيث رحل السلطان قطز بعساكره ونزل الغور بعين جالوت في فلسطين، وكانت جموع التتار هناك، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، قامت معركة عنيفة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً شديدًا لم ير الناس مثله، واشتد الأمر في بدء المعركة على المسلمين، فاقتحم قطز ميدان المعركة، وباشر القتال بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنًا. وحقق المسلمون نصرًا ساحقًا على جيش المغول، وأسروا قائدهم، وأمر “قطز” بقتله.
وانتهت بانتهاء معركة عين جالوت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر، واستطاع المسلمون إنقاذ العالم كله من همجية المغول وخطرهم. وكانت هذه المعركة البداية لدولة المماليك في مصر والشام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *