بقي المغرب منذ الفتح الإسلامي، لا تحكمه إلا الشريعة، ولا يسوسه إلا أولو الأمر، من علماء عاملين، وحكام متقين، وبقي المغاربة، محافظين على ثقافتهم وتقاليدهم وموروثهم الذي هذبه الدين الحنيف وشذبه، إلى أن جاء الاستعمار بجحافله، وأجلب بخيله ورجله، فأسس لانحرافات وطوام، وزرع مشكلات ومعضلات، استهدفت دين هذا البلد وثقافته وأخلاقه وقيمه، لازلنا نعاني منها لحد الساعة، بعد أن تشعبت و تفاقمت واتسع الخرق على الراقع، بفعل أذناب الغرب ووكلائه، من العلمانيين والحداثيين، الذين أكملوا المشروع الاستعماري، دعما وترويجا وتبريرا، وتخطيطا وتأسيسا وتنظيرا.
ومن أهم تلك المعضلات التي أسس لها الاستعمار وأرسى قواعدها نجد: الدعارة، الخمر، الربا، وإقصاء الشريعة… وهذه نبذة سريعة عما قام به:
1- أسس المستعمر لدور الدعارة، وقننها، وأدارها بواسطة معمرين أو عملاء له، راكموا من خلالها ثروات طائلة، حيث أصدر في 16/2/1924 تقنينا للبغاء بمرسوم يسمح بفتح منازل رسمية له.
2- فتح الخمارات وحماها، إذ بعد مرور عام على توقيع معاهدة الحماية شرعت سنة 1913م شركة “كومباني ماروكان” الاستعمارية في غرس العنب الخاص بإنتاج الخمور في ناحية القنيطرة. و صدر ظهير ملكي لضبط محال بيع الخمور بتاريخ 29/06/1913، وتم تشييد أول مصنع للجعة (البيرة) عام 1921م.
3- فتح الباب على مصراعيه للمعاملات المالية الربوية، فأسس لبنك مخزني ربوي، سنة 1907، كان هو الوكيل المالي للحماية، وفي 1912، أنشئ البنك الجزائري التونسي، في الدار البيضاء، ثم أنشئت عدة مصالح ومديريات بالتتابع منذ سنة 1912، كان من أهمها وأقدمها مديريات المالية والجمارك، القائمة على الضرائب والمكوس، معتمدة على المبادئ الأساسية للمحاسبات الفرنسية، بغرض تمكين المجموعات المالية والأقلية المحظوظة، من أموال الشعب المغربي.
4- أرسى قواعد القوانين الوضعية، والمحاكم القنصلية و الفرنسية، وقضى على محاكم الحسبة والقضاء الشرعي.
وقد استهدف هذا الرباعي التخريبي، (دعارة، خمر …) بنية الشعب المغربي وهويته، اختراقا، وتفكيكا، إلى أن مسخت على الحالة التي هي عليها الآن.
وبعد قرن من فرض الحماية على المغرب، نقول: إن كان لا يستغرب أن يفعل بنا أعداؤنا كل ذلك، وأن يحاربونا بشتى السبل والوسائل، فإن الأمر المستغرب حقا، هو لماذا استمر حالنا بعد الاستقلال على نفس المنوال والخطى والمسار الذي رسمه المستعمر؟، والجواب في الحقيقة سهل يسير، لمن يعلم أن الاستقلال الصوري التوافقي والمنقوص، قضى بأن تستمر نخبة علمانية متغربة، في مراكز و مواقع، تخدم سياسة المستعمر، بعد خروجه، فتستكمل برامج ومخططات الإفساد والتغريب، فأصبحنا في مغرب الحرية والاستقلال، نسمع عن الأمهات العازبات، (اللائي يلدن من سفاح) وعاملات الجنس، (العاهرات) والأطفال الطبيعيين، (الأبرياء من أبناء الزنا، وكأن الأطفال المولودين بطريقة شرعية وطبيعية غير طبيعيين)، ومصانع ومتاجر الخمور المرخصة، والكرابة، وجرائم المخمورين، كما انتشرت البنوك الربوية انتشار النار في الهشيم، وسد الباب عن المعاملات الإسلامية (في بلد إسلامي)، بل تم فتح باب الربا على مصراعيه في وجه الفقراء والمعدمين، عن طريق السلفات الصغرى، التي أتت بها حكومة الاشتراكيين، وأقصيت الشريعة في كل مناحي الحياة، من معاملات وتحاكم وقضاء، وهدد آخر حصن ومعقل، الذي هو الأسرة، بتلك الخطة المشؤومة، خطة إدماج المرأة في التنمية، على عهد حكومة اليوسفي، ثم حدثت تراجعات خطيرة في مدونة الأسرة، ولازال العلمانيون يستميتون للقضاء على ماتبقى فيها من رائحة الشريعة، وفي كل مرة تثار قضية جديدة، آخرها حرية الارتداد، وحرية التعري، تحت مسميات الحرية الفردية، وحرية الضمير، بل تطور الأمر من مؤامرات ومعارك لتغيير القوانين، إلى مؤامرات ومعارك لتغيير العقليات والثقافة والفكر.
من أجل كل ذلك ومن أجل التحسيس بخطورة الوضع، والتنبيه على استمرار المؤامرة، وتنفيذها بيد أبناء جلدتنا، تم إعداد هذا الملف.