وقد يعترض معترض فيقول إن هذا درس في مادة الاجتماعيات لا في مادة التربية الإسلامية، فنقول إن كافة المواد التي تدرس لأبنائنا في المؤسسات التعليمية يجب أن تتوافق ومبادئ ديننا الحنيف، فكيف يعقل أن يتلقى التلميذ في مادة العلوم الطبيعية نظرية التطور والارتقاء وأن أصل الإنسان قرد مثلا، ويدرس في مادة التربية الإسلامية التوحيد وأن الله تعالى خلق الإنسان على صورته؟
“حياتنا بين الأمس واليوم: السكن واللباس”، هو عنوان الدرس الأول لمادة التاريخ من كتاب الاجتماعيات للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي، وقد تناول الدرس التطور الذي طرأ على السكن واللباس، وتبنى واضعوه النظرة العلمانية للتطور الاجتماعي أخلصوا فيها للتحليل الماركسي للتاريخ أياما إخلاص، حيث أصروا على تلقين أبناء المسلمين أن اللباس يتطور بتطور الزمان كحال المسكن تماما، وغيبوا قصدا مصادمة التطور المنحرف الذي طرأ على اللباس عند المغاربة لأحكام الإسلام.
فمعظم علماء الاجتماع في بلدنا يتنكرون للدين ويناصبونه العداء بقصد أو بغير قصد، لأنهم يريدون أن يقدِّموا معطيات عن حياتنا الاجتماعية من عندهم تحت غطاء البحث العلمي الذي يلزم باحترام التخصص والانضباط وفق المنهج المتعارف عليه، ولهذا السبب كان انتقاد علماء الاجتماع للدين جزء لا يتجزأ من طبيعة تكوينهم، وكان صدامهم مع الدين أمراً لا مفر منه، وإذا التقيا فإن التقاءهما لا يمكن أن يتم إلا عبر صراعات، حتى وجد منهم من ينكر وجود الله سبحانه ويصرح أن الدين هو من صناعة البشر، وأن فكرة الإله نتجت من خوف الإنسان من الظواهر الطبيعية التي لم يستطع أن يفسرها، وما دام قد استطاع ذلك بفعل التقدم العلمي والتقدم التكنولوجي فلم تعد له حاجة بهذه الفكرة.
وقد يعترض معترض فيقول إن هذا درس في مادة الاجتماعيات لا في مادة التربية الإسلامية، فنقول إن كافة المواد التي تدرس لأبنائنا في المؤسسات التعليمية يجب أن تتوافق ومبادئ ديننا الحنيف، فكيف يعقل أن يتلقى التلميذ في مادة العلوم الطبيعية نظرية التطور والارتقاء وأن أصل الإنسان قرد مثلا، ويدرس في مادة التربية الإسلامية التوحيد وأن الله تعالى خلق الإنسان على صورته؟
وكيف نلقنه في مادة الاجتماعيات أن اللباس تطور اجتماعي يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة من غير ارتباط بالشرع، ونلقنه في مادة التربية الإسلامية أن اللباس يجب أن يتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية، من كونه ساترا ليس لباس شهرة ولا يصف ولا يشف..؟
إن فرنسا مهد العلمانية ثارت حفيظتها، وأزبدت وأرعدت حين وزع هارون يحيى موسوعة أطلس الخلق على عدد من جامعات ومعاهد باريس، الموسوعة التي تنسف نظرية النشوء والارتقاء من أصلها، وأشعل هذا الأمر فتيل أزمة ما زالت تتوالى توابعها إلى الآن، حتى إن الصحف الأوروبية وصفتها بـ”الهجمة المبهرة على نظرية التطور”، وبعد أن تلقت وزارة التعليم الفرنسية مئات الاستفسارات حول الكتاب ذي الصبغة الإسلامية، تم تسليمها متخصصين وبدأ التحقيق في الأمر؛ إذ ساد اعتقاد بارتباط نشره بوجود أكبر جالية مسلمة في أوروبا على أرض فرنسا، الظن الذي تبدد بعد التأكد من عشوائية التوزيع، حيث شمل مختلف مناطق البلاد، بغض النظر عن التقسيم الديني للسكان.
هكذا تتدخل الدول الغربية دول الحرية لحماية مبادئها إن أحست بما يتهددها، فصادرت موسوعة أطلس الخلق لأنها تصادم عقيدتها الدروينية الوثنية دون اكتراث بحق الإنسان في المعرفة التي يطبل بالدعوة إلى الحفاظ عليه علمانيونا المستغربون، الطريقة نفسها سلكتها فرنسا بلاد العلمانية في التعامل مع قضية الحجاب حيث منعته عندما هدد علمانيتها وصار يمثل ثورة على ماديتها حيث رأى فيه حكماؤها الأربعين تهديدا للائكيتها، فأفتوا شيراك بمنعه في المؤسسات التعليمية رغم أن ذلك يشكل اضطهادا للملايين من المسلمات وانتهاكا لحريتهن في التدين.
أما في بلادنا الإسلامية فقيم الإسلام منذ الاستقلال وهي تحارب شيئا فشيئا في ميدان التعليم، حتى أصبح أبناؤنا يتلقنون في المدارس قيم الإنسان الأوربي تحت كونية هذه القيم، التي لم نشارك في صياغتها.
أما بخصوص درس التاريخ المذكور فقد تضمن عرض ثلاث صور تبرز نماذج من اللباس عبر التاريخ:
الصورة الأولى: تشير إلى مرحلة 1920م، حيث كان الرجل فيها ملتحيا، وكان لباسه عبارة عن جلباب وسلهام، أما المرأة فكانت ترتدي حايكا ونقابا يسترها من رأسها إلى أخمص قدميها، ولم يكن يظهر منها شيء، وهو ما يمثل لباس المرأة والرجل المغربيين الأصيلين، اللباس الذي يسميه العلمانيون اليوم باللباس الأفغاني والوهابي والطالباني والإيراني.
والصورة الثانية: تمثل مرحلة 1960م، وقد طرأ فيها تطور على نوع لباس كل من الرجل والمرأة، حيث حلق الرجل لحيته ونزع سلهامه وصار لا يرتدي سوى جلبابا وطاقية، أما المرأة فاستبدلت الحائك بالجلباب والنقاب.
أما الصورة الثالثة: والتي مثلت مرحلة 2004م فقد نزع الرجل فيها هندامه الأصيل وأبدله باللباس الغربي (بنطال ورداء)، والمرأة قد تبرجت وخلعت جلبابها ونقابها تماما، وارتدت ما فصلته دور الأزياء الغربية وتساوت مع الرجل في اللباس حيث بدت في الصورة مرتدية بنطالا ورداء كذلك.
هكذا تمرر الأفكار العلمانية المنافية لقيمنا وثوابتنا إلى فلذات أكبادنا من غير مراقبة ولا متابعة، إمعانا في تغريب أبناء المغاربة المسلمين وتجهيلهم بتاريخهم ودينهم لطمس هويتهم وصهرهم في بوتقة الكونية والعولمة.