كان الله لكم يا أهل غزة محمد أبو الفتح

عجيب أمرُنا – نحن المسلمين- تمر بنا النكبة بعد النكبة، ونتعرض للمجزرة بعد المجزرة، فنبكي حتى تجف دموعنا، ونعتصر ألما حتى تتفطر قلوبنا وأكبادنا، ونصيح في الهواء والفضاء حتى تنقطع أصواتنا، ثم نتجرع مصيبتنا وما أسرع ما نُسيغها، ونودعها في انتظار التي تليها، ثم نتناساها كأن شيئا لم يكن، من غير أن تؤثر في حياتنا تأثيرا يجعلنا نغير من سلوكنا، أو على الأقل تجعلنا نتساءل: من أين أُتينا؟ وما سبب هذه المصائب التي تتابع علينا؟ وما السبيل لرفع هذا الذل والهوان عنا، وكيف نسترجع عزنا ومجدنا؟ وغيرها من الأسئلة التي نجد الجواب الشافي عنها في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

فإن كنا نؤمن بالقرءان فالله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (الشورى30)، فما أصابنا إذاً إنما هو بسبب ذنوبنا ومعصيتنا لربنا عز وجل.
وإن كنا نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا فإنه قد قال لنا: “إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (نوع من البيوع الربوية)، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ” (صحيح الجامع)، فلا سبيل إذاً لرفع الذل والهوان عنا إلا الرجوع الصادق إلى ديننا، ولا سبيل لاسترجاع عزنا ومجدنا إلا بتوبة صادقة إلى الله تعالى فإن نحن عدنا إلى ربنا فإنه تعالى يعدنا بالعلو والظهور على الأعداء، ويعدنا بالتمكين في الأرض، كما في قوله تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران139)، وقوله سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور55).
فنحن المسلمين اليوم نؤدي ثَمَنَ بُعْدِنا عن الله، وإعراضنا عن دينه، نؤدي ثمن سنوات أو قرون من سُبات عميق دخلنا فيه ولم نخرج منه إلى يومنا هذا، نؤدي ثمن الانغماس في الشهوات والملذات في وقت أخذت فيه الأمم بأسباب القوة، نؤدي ثمن التفرق والتمزق حرصا على مصالح ضيقة في الوقت الذي حرصت فيه الأمم على التكتل والتجمع؛ فلذلك يفعل بنا أعداؤنا ما شاءوا، يُرَمِّلُون نساءَنا، ويُيَتِّمُون أبناءنا، فلا نملك إلا البكاء والعويل والصياح، نبكي كالنساء على مَجْدٍ لم نستطع الحفاظ عليه كالرجال، فلا حول ولا قوة إلا بالله. قد عشنا أزمات ونكبات، وسنعيش أزمات ونكبات ما دمنا على حالنا، فما ضيعناه في سنوات عديدة لا يمكننا استرجاعه في لحظة، نحتاج إلى عودة إلى الله صادقة، قبل أن نبدأ في بناء مجدنا الذي هدمناه بأيدينا، بناء سيأخذ منا أكثر مما أخذ الهدم، فليس الإصلاح كالإفساد.
وبالجملة فو الله ثم والله ، لا سبيل لنا للخروج مما نحن فيه إلا الرجوع إلى كتاب ربنا، علما وعملا، فهذه آية واحدة من كتاب الله، بل بعضُ آية، لو عمل بها المسلمون لظهروا على اليهود، وعلى غير اليهود من أعدائهم، وهي قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا آل عمران103، قال عبد الله بن مسعود : حبل الله القرءان (أخرجه الطبري بإسناد صحيح). فبلاد الإسلام بحمد الله غنية بالموارد التي تجعلها -لو اجتمعت- قوة لا يُستهان بها، وذلك في كل المجالات.
أما اليوم، وقد فرطنا في كتاب ربنا، وتفرقنا شَذَر مَذَر، فلا نملك لإخواننا في غزة إلا الدعاء، وهو أقوى سلاح في أيدينا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون إلا بضعفائكم؟ بدعوتهم وإخلاصهم (صحيح الجامع:7034). فمن أراد أن ينفع إخوانه في غزة بشيء في مثل ظروفنا التي نعيشها، فعليه بأمرين اثنين:
1) توبة صادقة إلى الله تعالى تجعله من أهل الاستجابة، فإن الله تعالى شرط علينا ليستجيب لنا أن نستجيب له فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة186.
2) دعوة خالصة يتحرى بها أوقات الاستجابة، فإن الدعوة إذا صدرت ممن هو أهل للاستجابة، فإنها لا تضيع أبدا ولن تضيع بإذن الله تعالى، وعدا من الله حقا، ومن أصدق من الله قيلا، ومن أصدق من الله حديثا. قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( البقرة186، فقد وعدنا الله تعالى في هذه الآية إجابة الدعاء، لكن شرط علينا الاستجابة له، والجزاء من جنس العمل.
هذا بالإضافة إلى ما يقدر عليه كل مسلم من العون المادي لإخوانه كلٌّ بحسب استطاعته. هذا جُهد المقل، وهذه طاقة العاجز الضعيف. وكان الله لكم يا أهل غزة، فالأمة التي تنتظرون نصرها مشغولة بالمعاصي، منغمسة في الشهوات، لم يفتها أن تحتفل برأس السنة الميلادية، حتى اصطف الناس على محلات الخمور، وعظم الطلب على الحلويات، وكأنهم لا يكفيهم ما نزل بالأمة، فقاموا يخرقون في سفينتها المشرفة على الغرق خروقا أخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *