«إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعليمها بواسطة القرآن، بينما تقضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج الإسلام، ومن الناحية اللغوية علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية». المريشال ليوطي
تقارير المارشال ليوطي متشبع إلى النخاع بفكرة إنهاء عروبة المغرب ببربرة تعليمه، وأزرفة أحكام قضائه، كمرحلة لفرنسته على المدى البعيد في أطفال مدارسه، ولتأكيد هذا المشروع الليوطوي نسوق نصا من دورية ليوطي الخطيرة سنة 1914 يقول فيها:
«إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعليمها بواسطة القرآن، بينما تقضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج الإسلام، ومن الناحية اللغوية علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية».
هذه الدعوة من ليوطي إلى تطبيق هذه السياسة هي اللبنة الأولى في بناء دعاة التفريق بين الإخوة العرب والبربر التي توجوها بالظهير البربري المعروف.
لنفهم الغاية والوسائل التي نظمها الحماة لتحقيق هذه السياسة، يمكننا الرجوع لمحضر جلسات المداولة في مشروع الظهير البربري، وقد جاء في محضر جلسة (لجنة درس وتنظيم العدلية البربرية) المنعقدة في 8 أكتوبر 1924: «ليس هناك من ضرر في تحطيم وحدة النظام الموازنة الذي يمكن أن تستدعيه الحاجة فلا شك أن هناك فائدة مؤكدة من الناحية السياسية في تحطيم المرآة».
هذا فيما يخص القضاء، أما فيما يخص التعليم فقد جاء في أطروحة (جود فروي- دومونيين) «عمل فرنسا بالمغرب فيما يخص التعليم» الصحة 119: من الخطر أن نترك كتلة ملتحمة من المغاربة تتكون، ولغتها واحدة، وأنظمتها واحدة، لا بد أن نستعمل لفائدة العبارة القديمة «فرق تسد» إن وجود العنصر البربري هو آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي، ويمكننا أن نستعمله ضد المخزن (الحكومة المراكشية) نفسه.
ويعترف هذا المؤلف نفسه في الصفحة 118 بأن اللغة العربية هي اللغة الاقتصادية والدينية والإدارية بالمغرب الحالي، وأما البربري فيعتبر العربية لغة عليا، ولذلك يقول المؤلف في الصفحة 119: «يجب أن تقوم اللغة الفرنسية لا البربرية مقام اللغة العربية كلغة مشتركة وكلغة للمدنية».
ويقول الكومندان مارتي الذي هو من أكبر دعاة السياسة البربرية في كتابه (مغرب الغد) الصفحة 241: «إن المدرسة الفرنسية البربرية هي مدرسة فرنسية بتعليمها وحياتها، بربرية بتلاميذها وبيئتها، إذن فليس ثمة واسطة أجنبي، كل تعليم عربي وكل تدخل من قبل الفقيه، وكل ظاهرة إسلامية يجب منعها بصرامة تامة، فنحن نبتعد من تلقائنا عن كل مرحلة تكون مرحلة إسلامية أي مرحلة تبلور. إن الآراء هنا وفي كل مكان متفقة على هذه النقطة».
ويقول دومونيين في الصفحة 121 من كتابه «عمل فرنسا بالمغرب فيما يخص التعليم»: «إن برامج المدارس البربرية هي نفس البرامج البدوية الأخرى إلا فيما يخص المعلمين، فيجب عليهم ألا يستعملوا في أي حال من الأحوال اللغة العربية ولو في أوائل الدراسة، كما يجب عليهم ألا يسمحوا للتلاميذ بأي اتصال مع (الطالب)، أما في الحالة التي لا يمكن للمعلم فيها اتباع الطريقة المباشرة فينبغي له إن كان يعرف البربرية أن يستعملها لتفهيم التلاميذ».
وكتب مسيو جلاي أحد موظفي الإقامة العامة في مقال بعنوان «المدرسة الفرنسية لدى البربر» ما يأتي: «يجب أن نحذف تعليم الديانة الإسلامية واللغة العربية في مدارس البربر، وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف لاتينية»، وختم مقاله بقوله: «يجب أن نعلم البربر كل شيء ما عدا الإسلام».
إذن فالسياسة البربرية ترمي لفرنسة المغرب لغويا وسياسيا وقضائيا، وتتخذ لذلك وسائل التفرقة بين عنصرين كبيرين في البلاد فتعتمد إلى من تظنه أقرب إليها فتحول بينه وبين الثقافة الإسلامية والعربية، وتعمد إلى الجماعات القبيلة التي كانت مهمتها الدفاع عن القبيلة وتدبير مصالحها المحلية وتمثيلها أمام ولاة الملك فتقبلها إلى محاكم.
وتجعل مما بقي من بعض الأعراف الجاهلية قانونا ثابتا، ويصل بها الغلو إلى أن ترفع قضايا الجنايات التي تقع في الأراضي البربرية إلى المحاكم الفرنسية ذاتها، وهكذا تجرد القسم الأكبر من رعايا البلاد من سلطة الملك الدينية والزمنية التي تتجلى في القضاء الشرعي والمخزني، وتعتمد إلى الكتاتيب القرآنية والمساجد فتقفلها وتحول بين الفقهاء ورجال الدين وبين التجول لتعليم الناس أحكام دينهم.
بدأت هذه السياسة بظهير شتنبر سنة 1914 الذي استصدره المارشال ليوطي بدعوى احترام التقاليد البربرية، واستمرت تبدو في مظاهر متعددة إلى 16 ماي سنة 1930 حيث تجلت فيما يسمى بـ«الظهير البربري».
ومع هذا الظهير غامض الدلالة فإنه جرد الحكومة الشريفة من سيادتها على القبائل البربرية، وأحدث محاكم عرفية لم يعرفها المغرب في تاريخه بحال.
للمزيد انظر كتاب «الحركات الاستقلالية في المغرب العربي» لعلال الفاسي.