لا تحرمونا من متعتنا! ذ. محمد أبوالفتح

“دور القرآن” كما يدل عليه اسمها، دور أنشئت لخدمة كتاب الله تعالى، تعليما وتجويدا وفهما وعملا، هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تَنْـزِيلٌ من حكيم حميد، فيه نبأُ ما قبلنا، وخبرُ ما بعدنا، وحكمُ ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مسقيم. 

هذا الكتاب العظيم الذي امتن الله به علينا فقال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” (يونس58).
قال ابن كثير: “قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة”.
هذا الكتاب العظيم الذي أعز الله به هذه الأمة، وشرفها به على سائر الأمم، كما قال تعالى: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” (الأنبياء10)، قال ابن عباس: فيه شرفكم (تفسير ابن كثير5/334).
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: “وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ” (الزخرف44)،
قال السعدي: “{وَإِنَّهُ} أي: هذا القرآن الكريم {لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي: فخر لكم، ومنقبة جليلة، ونعمة لا يقادر قدرها، ولا يعرف وصفها…{وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم، وكفرا منكم بهذه النعمة”.
وبمعنى الآيتين فُسِّر أيضا قوله تعالى: “بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ” (المؤمنون71).
قال القرطبي: “(بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ) أي: بما فيه شرفهم وعزهم” (الجامع لأحكام القرآن12/141).
فنحن إذاً أمة شرفها الله وأعزها بهذا الكتاب، فمهما ابتغت العزة في غيره أذلها الله.
فهل يعقل أن تعرض أمة عن مجدها؟!
هل يعقل أن تئد أمة شرفها بيديها؟!
هل يعقل أن تسعى أمة إلى هوانها برجليها؟!
وبعبارة أصرح: هل يعقل أن تغلق دور القرآن في بلاد الإسلام؟!
هل يعقل أن يمنع القرآن في بلادٍ فُتِحَتْ بالقرآن؟!
هل يعقل أن يهان أهل القرآن في بلاد القرآن؟!
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» (صحيح الجامع2165).
وأمرنا صلى الله عليه وسلم بإكرامهم فقال: «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ». (صحيح الجامع 2199).
فهل من إكرام أهل القرآن أن يخرَجوا من دور القرآن؟!
وهل من إكرام أهل الله أن يُمنعوا من الاجتماع على تعلم كتاب الله؟!
هل هان على قوم ربهم، حتى أهانوا أهله وخاصته؟!
لست أدري ماذا يريدون منهم؟!
قوم نذروا أعمارهم لخدمة كتاب ربهم، ووجدوا لذتهم ومتعتهم في الاجتماع على تعلمه وتعليمه، فبأي حق يحرمون من متعتهم؟!
وبأي وَجْهٍ ينتزع منهم أعز ما لديهم في هذه الحياة؟!
لست أدري ماذا يريدون منهم؟
أما الدنيا فقد تركوها لهم، وأما المناصب فلم يزاحموهم عليها.
فماذا يريدون منهم؟! ماذا يريدون؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *