من ثمرات الالتزام بفھم السلف الصالح..

لا شك أن للالتزام بفهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة العاصمة من كل فتنة مضلة، ثمرات يانعة وآثارٌ نافعة، تحفظ المرء في عقيدته وعبادته وتعصمه بإذن الله من الأهواء والمفاهيم الشاذة والأفكار المنحرفة.
وما سلت السيوف، وأزهقت الأرواح ،وسفكت الدماء، وانتهكت الحرمات، وكفر المسلمون، وفرقت جماعتهم قديمًا وحديثًا، إلا بسبب التأويل الباطل المبني على الفهم السقيم للنصوص الشرعية المخالف لفهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ومن أبرز هذه الثمرات:
1- أنه السبيل لمعرفة مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ هي غاية كل مسلم يريد الاعتصام بالكتاب والسنة قولاً وعملاً ظاهرًا وباطنًا لينجو من الفتن ويحقق عبودية ربه على هدى وبصيرة.
فمقصود السلف هو معرفة مراد الله عز وجل ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو ينبوع الهدى، وهو غاية السالكين وطريق النجاة لطالبيها، كما أن الانحياز إلى جانب الصحابة وأتباعهم والتمسك بطريقتهم وهديهم هو عين الفلاح، وأساس النجاح.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الشورى:52-53.
ولا شك أن أعلم الناس بهذا الصراط وأحرصهم على الهداية إليه هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم من أئمة السلف الصالح، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: “إذا لقيتم الذين يتبعون المتشابه فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى” أخرجه الدارمي في سننه والآجري في الشريعة.
2- أنه أهم وسيلة لحسم مادة الابتداع وإغلاق باب البدعة والإحداث في الدين؛ لأن المبتدعة عادة ما يتعلقون ببعض النصوص ويتأولونها على غير تأويلها، ويفهمونها على غير مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن على مرادهم هم لتوافق أهواءهم وما استحدثوه من البدع. وفهم السلف هو الفيصل في هذه المسألة، وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال. قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة:137.
قال ابن تيمية رحمه الله: “وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه.. ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسولَه صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول. مقدمة في أصول التفسير:91.
3- أنه العاصم من التفرق والاختلاف المذموم. ولذلك قال عمر بن الخطاب لابن عباس رضي الله تعالى عنهم: “كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين؛ إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيمن نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون في مَن نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا” أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع 2/194.
4- أنه يُورث الطمأنينة والأمن النفسي القاطع لشوائب الاحتمالات المقدرة، الرافع للإشكالات المتوهمة. فمتى علم المتفقه وطالب العلم أن فهمه للدليل موافق لفهم السلف الصالح كان ذلك حاسمًا للترددات شاهدًا صادقًا على صحة الاستدلال بالدليل مصدقًا له.
5- أن كل ما سكت عنه الصحابة والسلف وخاصة فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد والإيمان فالسكوت عنه أولى وأليق وأسلم. وأن الخلف لم يأتوا فيه إلا بباطل من القول وزورًا؛ ولذلك قال بعض السلف: “عليكم بآثار سلف، فإنهم جاؤوا بما يكفي ويشفي، ولم يحدث بعدهم خير كان لم يعلموه” مجموع الفتاوى 4/158.
6- أنه الضابط في معرفة السنة من البدعة. فكل دين وعبادة لم يكن معروفًا عند السلف، فهو من الابتداع والإحداث في الدين، وتقدم مأخذ ابن عباس على الخوارج بأنه ليس فيهم أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بتأويل القرآن.
فدل على أن الحجة بفهم الصحابة وما كانوا عليه وليس العكس، وأن أهل البدع هم الذين انشقوا عن الجماعة وخالفوا الصحابة والأئمة، ولذلك “فلا أحد يسلم من البدعة، ولا يسلم له عقيدة إلا أن يسلم كما أسلم السلف، وأن يفهم النصوص كما فهموا، ويترك علم ما لم يكلف، وهذا مسلك أئمة السنة”. إيثار الحق على الخلق:122.
فالشاهد على المتخاصمين، الحَكَمُ بين المتنازعين النظر في حال السلف، وهل كانوا يفهمون هذه النصوص على هذا النحو أم لا؟
وهل كانوا آخذين فيها؛ أم كانوا تاركين لها؛ أو غافلين عنها؟ !
مع القطع بتحققهم بفهم القرآن، ويشهد لهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والجم الغفير، فلينظر امرؤ أين يضع قدمه. (الموافقات 3/376؛ القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم:759؛ شبهات العصرانيين “الإسلاميين” حول اعتماد فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية؛ دراسة نقدية؛ د.عبد الله الدميجي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *