الانتخابات الجماعية والجهوية في المغرب.. بين إرادة الناخب وتلاعب السياسي

لماذا اخترنا الملف؟
مباشرة بعد الاعلان عن نتائج انتخابات الغرف المهنية التي شهدها المغرب في 07 غشت 2015 والتي احتل صدارتها “البام” متبوعا بحزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية ثم العدالة والتنمية الذي حل خامسا؛ تكاثرت المقالات والتحليلات التي نحت صوب معاقبة الناخبين لحزب المصباح نتيجة سياسته الحكومة ومسه بالقدرة الشرائية للمواطنين.
وجاءت تصريحات الأمناء العامين لأحزاب المعارضة والمنابر الإعلامية التي تخدم طرحها وأبرزها هسبريس وهبة بريس والصباح والأحداث والاتحاد الاشتاركي والعلم.. تصب في هذا الاتجاه؛ وتأكد أن حزب المصباح لن يعود كما كان، وسيحتل بكل تأكيد مراتب متأخرة في استحقاقات 04 شتنبر 2015.
ووصل الغرور -مثلا- بالأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط؛ إلا أن وعد المغاربة على قناة عمومية بتقديم استقالته إن لم يحتل حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات المشار إليها.
وعلى الطرف الآخر ظل حزب العدالة والتنمية في مواقعه، وكان المنضوون تحت لواء حزبه يعملون كخلية نخل ولا يلتفتون إلى الخطابات التيئيسية، وكانت تصريحات قياداته الحزبية منضبطة، وخراجات أمينه العام عبد الإله بنكيران مدروسة، تأكد أنه لا يضع نصب عينيه استحقاقات 04 شتنبر فحسب، بل استحقاقات التشريعية 2016 أيضا.
جاءت نتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية على غير ما توقعته المعارضة؛ ووصفت بـ”التاريخية” لتمكن حزب المصباح من مضاعفته للمقاعد المحصل عليها بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بانتخابات 2009، ما دفع عددا من الأكاديميين والمحللين السياسيين للمبادرة بتقديم قراءات سياسية لدلالة هاته النتائج، التي سلمت لحزب العدالة والتنمية مفاتيح عددا من المدن الكبرى في مقدمتها الدار البيضاء وسلا وفاس ومكناس وأكادير ومراكش وطنجة.
كما أشادت عدد من المنابر الإعلامية الدولية بانتخابات 4 شتنبر؛ وكتبت يومية madrilène الإسبانية أنه كان هناك تخوف عند بعض المغاربة عند صعود الاسلاميين للحكم، لكن سرعان ما تبدد هذا الخوف حينما جدد المغاربة ثقتهم في حكومة العدالة والتنمية وهذا دليل على الشعبية التي يحظى بها الحزب.
وعنونت صحيفة Vanguardia الكتالونية عددها بـ: “اكتساح الإسلاميين حزب العدالة والتنمية للمدن المغربية الكبرى”، مضيفة أن الاسلاميين ضاعفوا حظوظهم ثلاثة أضعاف، وأن هذه النتائج أظهرت قوة العدالة والتنمية”.
هذه القوة لم تقف أمامها “العفاريت والتماسيح” عاجزة؛ أو دون رد فعل يحقق لها المكتسبات ويضمن لها البقاء والتحكم في المجال السياسي، وقد بدا ذلك واضحا في انتخابات رؤساء الجهات، حيث ظهرت الخيانات والمصالح والأحزاب المصلحية والحربائية التي يمكن لها أن تشكل الأغلبية وتصوت للمعارضة في آن واحد؛ دون أن يمنعها ذلك -طبعا- من الخروج للإعلام والإدلاء بالتصريحات التي تبرر موقفها المخزي.
أجل؛ لقد سرق السياسيون الفاسدون إرادة الناخبين المغاربة؛ وأعادوا الجرار الذي نفي إلى العالم القروي إلى قلب العالم الحضري، وتواطؤوا جميعا ليمكنوه من التحكم في جهات عجز مسبقا أن يقنع الناخبين كي يبوؤوه تسيير جماعاتها، وها هو اليوم سيحظى بالميزانيات والنفوذ وسلطة القانون؛ كي يستمر في تنزيل مشروعه العلماني الذي رفضه الناخبون المغاربة.
إنه وبكل اختصار “الوجه القبيح للديمقراطية المغربية”؛ كما عبر عن ذلك ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، فقد يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يقنع أكثر من مليون ونصف مغربي بمشروعه السياسي ويتفوق على كل الغرماء السياسيين؛ لكنه بالمقابل لن يتمكن إلا من تسيير جماعتين من أصل ست؛ وبالمقابل يستطيع البام الذي لم يجد له موطأ قدم إلا في البوادي حيث يعشش الجهل والفقر والتهميش؛ من تسيير خمس جماعات ترابية كبرى.
أكيد أن نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة تعطي مؤشرات قوية حول التركيبة الجديدة للخارطة السياسية في المغرب، وتؤكد أن إرادة الناخبين لا توصل وحدها ممثلي الأحزاب إلى مراكز القرار، وأن الفساد لا زال معششا في المجال السياسي، وأن معظم الأحزاب لم تتجاوز عتبة الوفاء بعهودها وضبط تحالفاتها.
وحتى نجلي الصورة حول بعض جوانب هذه الانتخابات، ونفسح المجال أمام باحثين وأخصائيين في المجال السياسي ليقرؤو لنا هذا لمشهد؛ ارتأينا فتح هذا الملف.
نبيل غزال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *