لماذا اخترنا الملف؟

للصلاة مكانة عظيمة في الدين، فهي آكد الفروض بعد الشهادتين وأفضلها، وثاني أركان الإسلام الخمسة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”.

وهي عمود الدين لقوله صلى الله عليه وسلم: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله”.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، كما أنها آخر وصية وصى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا قائلا: “الصلاة وما ملكت أيمانكم”.
وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة”.
وقد ورد في فضلها والحث على إقامتها، والمحافظة عليها، ومراعاة حدودها آيات وأحاديث كثيرة مشهورة.
والتهاون بشأنها وتأخيرها عن وقتها والتخلف عن جماعتها من أعظم المصائب، وأقبح المعائب، وقد توعد الله فاعل ذلك بالويل والغي والخسران، وأخبر عن أهل النار أنهم إذا سئلوا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين المدثر.
والتخلف عن إقامة الصلاة والتفريط فيها من الأمور التي شدد فيها علماء المالكية وقاموا لها قومة رجل واحد، قال ابن المناصف في تنبيه الحكام (ص:380) عن ترك الصلاة: وهذا أهم ما ينبغي الاهتمام به ويحق على القضاة وسائر الحكام وآحاد المسلمين القيام فيه، وبذل الجد والاجتهاد في تفقد أحوال من ظاهره التقصير والإهمال، وعلى الحكام موالاة أخذ الناس بذلك والاشتداد على الكافة فيه قبل كل شيء من سائر الأحكام..
إلى أن قال: وكذلك يجب عليهم المبالغة في التنكيل والعقوبة لمن تعرف منه الإضاعة والتفريط وقلة المواظبة، وحد ذلك من الضرب الشديد إلى السيف، وذلك بسبب الترك القليل والكبير، والإباية من فعلها..
وفي الإعلام للعباس بن إبراهيم (1/201) أن عبد الله بن ياسين زعيم المرابطين ألزم أهل صنهاجة السنة والجماعة وأن من فاتته ركعة ضرب خمسة أسواط.
وذكر عياض في ترتيب المدارك (8/82) أنه ألزم من تحت حكمه بصلاة الجماعة وعاقب من تخلف عنها عشرة أسواط لكل ركعة تفوته.
وقال الناصري في الاستقصا (3/166): وكان المنصور (أي: السلطان الموحدي) يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس.. وكان يعاقب على ترك الصلوات، ويأمر بالنداء في الأسواق بالمبادرة إليها، فمن غفل عنها أو اشتغل بمعيشته عزره تعزيرا بليغا.
ورغم الإقبال الكبير للمصلين على بيوت الله اليوم، فإن أعداد المغاربة الذين يفرطون في شعيرة الصلاة يبقى عددا كبيرا، ويحتاج الأمر من الوزارة الوصية أن تتحمل مسؤوليتها، وتبصر الناس الغافلين عن عظم الجرم الذي يقترفونه، ومغبة هذه الكبيرة على الفرد والمجتمع، وكذا عليها أن تجابه النظريات الهدامة التي تسوغ الانسلاخ من الدين، والتي تصور للمسلم أن أداء الشعائر بصفة عامة وشعيرة الصلاة بصفة خاصة حرية فردية لا حق لأحد أن يلزم بها غيره.
ثم إن بعض المسؤولين والموظفين والحرفيين ممن يؤدون فريضة الصلاة يفرطون في صلاة الجمعة من غير عذر، ويكتفون بأدائها ظهرا في المكاتب والمحلات، وهذا أيضا أمر جلل، كيف لا وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين” رواه مسلم.
قال ابن المناصف في تنبيه الحكام (ص:333) عن ترك الحرفيين وأصحاب الصنائع والوجهاء والأعيان للجمعة: “فيجب على الولاة البحث عن هؤلاء، والتنقيب عمن عرف عنه ذلك، والاشتداد على فاعله والمساعدة عليه واضطرار الكافة إلى شهود الجمعة بما يؤدي إليه الاجتهاد ويقتضيه النظر والحال إن شاء الله” اهـ.
فكيف يعقل أن يفرط المسلم في صلاة الجمعة، بل كيف يفرط في صلاة الجماعة وفي كل خطوة يمشيها إلى المسجد يرفع بها درجة، وتحط عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي عليه ما دام في المسجد وتدعو له بالمغفرة والرحمة.
إن أداء صلاة الفريضة في المسجد جماعة فيه -زيادة على الأجر والمثوبة- تأليف بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم، وجمع قلوبهم في أكبر عبادة -بعد التوحيد-، حيث يقف في هذا المشهد العظيم الكبير والصغير، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس جنبًا إلى جنب، وفيها يتعلم الجاهل من العالم والمأموم من الإمام أحكام الصلاة وغيرها بطريق عملي ونظري، أما تخلف المسلم عن صلاة الجماعة فإنه من أسباب نسيانها وتأخيرها عن وقتها.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف” (رواه مسلم).
ولبيان عظم منزلة الصلاة ومكانتها في الإسلام، وخصائصها، وأقوال علماء المالكية في من فرط في أدئها ارتأينا فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *