العفة ودور حراس الفضيلة مصطفى محمد الحسناوي

العفة في القول والفعل هي: الامتناع والكف عما لا يحل قولا أو فعلا.
لذلك فإن تناولنا للعفة في هذا الموضوع هو بمعناها الشامل، وليس بمعناها المرتبط بغض البصر والابتعاد عن الفاحشة والعري والزنا، كما أننا سنتناولها باعتبارها قيمة وخلقا إسلاميا يعني جميع المسلمين ذكورا وإناثا متزوجين وغير متزوجين صغارا وكبارا، وليس كما يتبادر إلى الذهن عادة من أن المخاطب بها هن النساء.
أما حراس الفضيلة فإنهم كل المتدخلين في جانب التقويم والتوجيه والتربية والزجر وإنكار المنكر، من علماء ودعاة وأساتذة ومربين ومحتسبين وأسر وأولياء أمور.
العلماء
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع مسئول عن رعيته” متفق عليه.
وفي الحديث إشارة إلى أن الإسلام اهتم بجميع مجالات الحياة التي يحتاجها الإنسان، ومن ذلك أنه أوجب على كل إنسان القيام بالمسئولية التي أنيطت به بحسب موقعه ومكانته. حيث ألقى المسئولية على كل مكلف فيما هو تحت رعايته، وبالتالي حمله إثم التقصير في رعاية ما استرعاه الله عليه.
وفي الوقت الذي تحمل كل راع ومسؤول مسؤوليته وقام بدوره، كانت الأمانات محفوظة والعفة مصونة، عندما كان أمراء المؤمنين المتعاقبين على الدولة الإسلامية يحاسبون ولاتهم ويتفقدون رعيتهم بل ويؤدبون من يستحق منهم التأديب، كما كان عمر رضي الله عنه يفعل بدرته.
فعن موسى بن خلف كما في مكارم الأخلاق للخرائطي: “أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق، فعلاه بالدرة، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إنها امرأتي! قال: فهلا حيث لا يراك الناس”.
ورغم أن البعض قال أن الأثر ضعيف لجهالة أحد رجاله، إلا أن قصة درة عمر معروفة ومشهورة ووقائع التأديب التي كان يباشرها عمر رضي الله عنه في حق الخارجين عن الآداب والأخلاق والشرع، بنفسه أشهر من أن يستدل لها.
أما العلماء فقد كانوا حراس هذا الدين بعقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه، وكانوا أول من يضرب أروع الأمثلة وأبلغ الدروس على عفتهم ومروءتهم خاصة حينما يتعلق الأمر بالمناصب والأموال والعطايا والهبات، وكان ديدنهم رفض العطايا والهدايا صيانة للنفس عن الوقوع في أسر الإحسان، وكف اليد حتى ينبسط اللسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كيف لا ورسولهم وإمامهم وقدوتهم صلوات ربي وسلامه عليه سن لهم هذه السنة، ذلك أنه لما عفا صلى الله عليه وسلم عن سراقة بن مالك، عرض عليه سراقة المساعدة، عندما قال: (وهذه كنانتي فخذ منهما سهماً فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا حاجة لي فيها” (رواه أحمد).
وفي هذا المعنى قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله في العلماء: “كل من تخوفت من طعامه أن يفسد عليك قلبك فلا تجبه” (الزهد للإمام أحمد).
الآباء
أما دور الآباء في التربية وحفظ العفة فالنصوص الشرعية الدالة على ذلك كثيرة نذكر على سبيل المثال منها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: “عَلِّمُوا صِبْيَانَكُمُ الصَّلاةَ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَأَدِّبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ وَأَجِيرَهُ، فَلا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهِ، وَالْعَوْرَةُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ”.
وهكذا لما تحمل كل واحد مسؤوليته عبر تاريخ أمتنا، انتشر خلق العفة في مجتمعنا وشاع الأمن والطمأنينة والخير والسكينة، ولما شاعت فضيلة العفة تفرعت عنها أخلاق أخرى كالحياء، والصبر، والسخاء، والحرية، والوقار، والورع، ولا شك أن هذه أخلاق تضبط مجتمع المؤمنين فيصبح واحة تسلم من كل أذى، ويتحقق فيه كل خير.
ثم توالت على الأمة بعد بُعدها عن شريعة ربها، والإعراض عن سنة نبيها، عصور من الضياع والظلام؛ ظلمات بعضها فوق بعض، فقدت فيها الأمانات، وضاعت الذمم، واندرست العفة في جميع مستوياتها: عفة النفس وعفة الجوارح وعفة البطن. والعفة عن المحارم والمآثم والمظالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *