لماذا اخترنا الملف؟

إن اتباع الخير (المعروف) والابتعاد عن الشر (المنكر) أهم ما جاء به الدين، والأمر بالخير والنهي عن الشر أكبر عمل في وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى يصف نبيه صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم} فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتحقق الخيرية لهذه الأمة المشار إليها بقول تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} أي إن الخير سيظل فيكم ما دامت فيكم فئة تأمر بالخير وتنهى عن الشر، بل إنه لن يتحقق لأمتنا الفلاح إلا بالتناصح وتوجيه بعضنا لبعض لا فيما نحب ونهوى فحسب، بل حتى فيما نكره ونبغض، نتناصح ونتكاتف ونكون بعضنا أولياء بعض، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة.

فمتى ما قمنا –أي المغاربة حكومة وشعبا- بهذه المهمة وعين لهذه الفريضة العظيمة من أهل العلم والحزم والحلم من يقوم بها، وناصرناهم بأقوالنا وأفعالنا وكتاباتنا، ولم نلتفت يوما من الأيام إلى من يطعن في هذه الفريضة، أو ما يقوم به أولئك الذين يبذرون الشوك في الطريق ويعيقون كل دعوة خير، ويثيرون حولها وابلا من الشبه والشكوك، فمتى قمنا بنصرة هذه الفريضة وإظهارها ونصرة من يقوم بها استحققنا نصرة الله لنا لقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} الحج.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/968): وفي التنزيل: “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ” التوبة، ثم قال: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ” التوبة، فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين، فدلَّ على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
ومن شطحات العلمانيين الموغلة في العداء للدين والهوية المغربية ما نقرأه بين الحين والآخر على صفحات جرائدهم ومجلاتهم من اتهامات لكل مَن أمر بمعروف أو نهى عن منكر بكونه متشبعا بالفكر الوهابي استنكارا منهم لفعله، وبما أن الدولة السعودية هي من أبرز الدول الإسلامية التي تقيم نظام الحسبة في بلدها، يتصور كثير ممن ضعف علمه أن نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظام وهابي دخيل على الأمة الإسلامية وعلى الشعب المغربي، علما أن هذه الشعيرة كانت إلى الأمس القريب قائمة في بلدنا، يسهر المحتسبون والولاة والقضاة على القيام بها في الأسواق والطرقات والمساجد.. إلى أن استولى المحتل العلماني على أرضنا فألغى التشريعات الإسلامية المنظمة لها، وأصدر قوانين وضعية وأنشأ مؤسسات اقتسمت بينها وظائف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد اندحاره من المغرب كان المحتل قد خلف وراءه ترسانة من القوانين التي تعوق أي محاولة لإعادة نظام الحسبة في المجتمع وفق الشريعة الإسلامية.
وبتغييب نظام الحسبة وشعيرة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر انتشرت المنكرات والفواحش والموبقات، فكثر التبرج والزنا والعري في الشواطئ، وارتفعت نسبة شرب الخمور وتعاطي المخدرات، وجرائم السطو والقتل والاغتصاب والتحرش الجنسي بالنساء والأطفال، وأنشأت كازينوهات القمار ودور الدعارة والمراقص الليلية والمهرجانات وبرامج الخنا والفجور.
وما أن يتحسر مغربي على ما وصل إليه بلده من ارتكاس أخلاقي، أو يرفع غيور على دينه وبلده صوته بالمطالبة بإعادة نظام الحسبة والتمكين له في مجتمعنا حتى تبح حناجر العلمانيين، ويُسوِّدون المقالات والملفات، ويعدون المحاضرات والندوات، ويصيحون أن نظام الحسبة مصادرة صريحة للحرية الفردية، وهم في ذلك يستندون إلى القاعدة المادية الإلحادية: الكون والحياة والإنسان كلها أمور مستقلة بذاتها ليست في حاجة إلى إله أو وحي، والبشرية قد بلغت سن الرشد ولا حاجة لها في علماء يملون عليها ماتعتقده وتقوم به أو تتركه من تصرفات وأعمال وسلوكيات، لذا فشعيرة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمثل بالنسبة لهم أداة كبت وقمع وحجر على الحرية الفردية.
علما أن هذه الحرية التي يطبل لها العلمانيون اليوم ويزمرون، ويسوقون لها عبر مختلف الوسائل الإعلامية هي من وضع ملاحدة الغرب، وفيها إهدار صريح لحقوق الله تعالى وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية جمعاء.
إن الإسلام هو “نظام وأوامر ونواهي وتعليمات فردية وجماعية اعتقادية وتشريعية وأخلاقية، وليس لأحد من المنتسبين إليه أن يقول أنا حر أفعل ما أريد، أو فلان حر يفعل ما يريد، فما دام قد انتسب إلى الإسلام وانتمى إليه فيجب عليه أن يلتزم بتعاليمه ويستمسك بأحكامه”.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الوسائل الناجعة في إصلاح الأمة ومعالجة الأمراض الأخلاقية المتفشية بين أفرادها، وبامتثالنا لأحكام الشرع في إقامة هذه الشعيرة الجليلة نكون قد خطونا خطوة إيجابية نحو تحقيق حياة أفضل للمجتمع المغربي خاصة، ولكل من اختلط بالمسلمين وجاورهم على وجه العموم.
ونحن في أغلب صفحات هذا الملف اقتصرنا على ما أورده علماء المالكية في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تعصبا لهم ولكن إلجاما لأفواه العلمانيين المتشدقين بالمنافحة عن الخصوصية المغربية والموروث الثقافي، والعادات والتقاليد، والدفع بالحفاظ عليها كلما تعلق الأمر بأصحاب اللحى المتشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح ومن تبعهم بإحسان من علماء المغرب وسلاطينه رحمهم الله جميعا.
وتنويرا للظلام الذي أحدثه المحتل في المغرب وزاد من كثافته تزوير العلمانيين للتاريخ في كتبهم ومجلاتهم وشاشاتهم، ولأن أبحاثهم وأفكارهم لا تعدو أن تكون دوما وأبدا استنساخا لنتائج الأبحاث الغربية الموجهة التي قام بها أساطين الباحثين لصالح سلطات الاحتلال، والمتآمرة على تاريخ المغرب وحاضره ومستقبله، ولأن المزايدات العلمانية حول تاريخ المغرب وسير أعلامه وشرائع دينه كثرت في الشهور الأخيرة، حتى أصبحنا نسمع ونقرأ أن اللواطيين والمرتدين ممن تحولوا إلى النصرانية يقولون دون حياء أن المغاربة كانوا دائما يتعايشون مع من يمارس اللواط أو يبدل دينه، لكل هاته الأسباب وغيرها ارتأينا في جريدة السبيل إعداد هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *