العلمانية والحداثة في مواجهة الله سبحانه بين العُرب والغَرب “تشابهت قلوبهم فتشابهت كلماتهم” بقلم: عبد الله الشرقي

(أيَشتُمُ رباً عبدناه، ولا ننتصرُ له؟ إنا إذاً لعبيد سوء وما نحن له بعابدين) “ابن حبيب المالكي” (“الشفا” للقاضي عياض المالكي)
سأل الرشيد الإمام مالكاً في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: (يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها، من شتم الأنبياء قُتِل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جُلد) “الشرح الصغير على أقرب المسالك”.

قبل البدء في الكلام على هذا الموضوع لابد أن نقرّر مسألة تاريخية هامة وهي أن انتهاك جناب الدين داخل دولة الإسلام لم تكن تعرفه الأمة قبل أن تستباح أرضها من طرف ملاحدة أوربا، وتمكنهم من بث عقائدهم الفاسدة في عقول أبناء المسلمين، باسم الحداثة والإبداع والتنوير، فأي نور يوجد في الكفر والإلحاد والزندقة. 

فما حلَّ بالأمة من محن ونكبات كان أخطرها سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية على أيدي اليهود والنصارى ومن شايعهم من العلمانيين العرب، مكن الدول الإستعمارية من تنصيب وكلائها -العلمانيين- على رأس حكومات جل الدول التي اقتطعت من جسد الخلافة، أما الدول التي لم يستطيعوا أن يغيّروا فيها طبيعة الحكم كالمغرب المحروس بعناية الله، فقد عملوا على رعاية من تشرب من أبنائها الإشتراكية أو الشيوعية ودعمهم بالأموال والحماية حتى يكونوا خلفا لهم بعدما خرجوا مدحورين وكذلك وقع.
ومن سننقل كلامهم هم من أولئك الوكلاء شاؤوا أم أبوا، وكلامهم عن رب العزة ودينه وكتابه وملائكته ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته, إنما يلخص للقارئ الكريم مبلغ ما وصل إليه مشروع الحداثة العربية في محاربة الإسلام ويُظهِر مدى تأثر منظريها بالتجارب اليسارية الشيوعية في الأدب الغربي، خاصة التجربة الروسية، التي غالبا ما حاولت إثبات أن وجود الله سبحانه وتعالى مجرد خرافة.
وهذه هي الحداثة التي يدعونا إليها العلمانيون في المغرب والتي يتبعون فيها سنن أرباب الحداثة الأوربية، وحتى يستبين القارئ الكريم سبيلهم نورد مكرهين كلام الشعراء الأوربيين شيوخ شعراء الحداثة العرب، وناقل الكفر ليس بكافر كما يقول علماؤنا:
يقول الملحد “أرتـو” متسائلا: “هل الله كائن؟
إن كان فخـراء، و إن ليس، فليس”.
يقول “لوتريامون”:
“.. ذات يوم، إذن،
وقد تعبت من أن أتعقب بقدمي درب الرحلة الأرضية الوعر،
وأن أمضي و أنا كرجل سكران،
عبر دواميس الحياة المظلمة،
رفعت ببطء عيني السوداوين،
وقد أحدقت بهما دائرة كبيرة مزرقة،
نحو تجويف القبة الزرقاء، وتجرأت على أن أخرق،
أنا الشاب اليافع،
أسرار السماء حين لم أعثر على ما كنت أبحث عنه،
رفعت جفني المرتاع إلى أعلى فأعلى إلى أن لمحت عرشا،
مكونا من غائط بشري وذهب ، يتربع عليه،
بكبرياء أبله،
وجسده مغطى بكفن مصنوع من شراشف مستشفى غير مغسولة،
ذاك الذي يسمي نفسه الـ الله!
كان يمسك بيده جذعا عفنا لرجل ميت،
وينقله بالتناوب،
من العينين إلى الأنف إلى الفم،
وحين يصل إلى الفم،
يمكنكم التنبؤ بما سيفعله به..”.
ومن هؤلاء الشرذمة نزار قباني شاعر الحداثة بامتياز، وممثل العلمانيين العرب في محاربة القيم والمبادئ، كانت كلماته معاول هدم تخرب صروح العفة والحياء، وتقوّض كل الشيم والأخلاق، وتجرئ الشباب على انتهاك حرمات الله، كان شعره ولا يزال سفير الزنا، وبريد الفجور بين المراهقين والمراهقات، تخصص في تخريب ثقافة الأمة، وما من ديوان له إلاَّ وقد ذكر فيه اسم الله عدة مرات على وجه السخرية والتنقص والاحتقار، فلماذا هذا التمرد على الله سبحانه؟! ولماذا كل هذا في حق الله تعالى؟!
إن نزار قباني يا أيها القارئ الكريم، له دواوين قد مُلِئتْ بالكفر الصريح والردة الواضحة، التي إن لم تكن كفراً بواحاً فليس هناك كفر على وجه الأرض.
فمن أقواله التي صرح فيها بأنه قد كفر بالله العلي العظيم قوله:
(فاعذروني أيها السادة إن كنت كفرت) [ديوان “لا” (3/277)]
ومن صور استهزاء نزار قباني بالله: ادعاؤه بأنَّ الله تعالى قد مات وأن الأصنام والأنصاب قد عادت، فيقول:
(من أين يأتي الشعر يا قرطاجة..
والله مات وعادت الأنصاب) [الأعمال الشعرية الكاملة (3/637)]
ويذكر بأن الله تعالى قد مات مشنوقاً على باب المدينة، وأن الصلوات لا قيمة لها، بل الإيمان والكفر لا قيمة لهما فيقول في مجموعة (لا) أيضاً في (خطاب شخصي إلى شهر حزيران) صفحة 124:
(أطلق على الماضي الرصاص..
كن المسدس والجريمة..
من بعد موت الله، مشنوقاً، على باب المدينة.
لم تبق للصلوات قيمة..
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة..)
وما بقاء أهل الأرض والسماء جميعاً ومن في هذا الكون كله بعد شتم الجبار سبحانه وتعالى والاستهزاء به والسخرية منه، تعالى ربنا وتقدس وتنـزه عن كل نقصٍ وثلب، {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أرَادَ أنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ في الأَرْضِ جَمِيعاً وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة: 17].
ومن أولياء هؤلاء العلمانيين – البرلماني الاشتراكي بقرية با محمد- الذي سوَّد صفحات “جريدة الأحداث” بمقالاته التي دنَّس فيها كل مقدَّس، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره في مقال له تحت عنوان “عندما تكذب أمة على نفسها”: “الكذبة الأولى: أن الإسلام هو الدين الوحيد عند الله ومن يبتغي غيره فلن يقبل منه.. الكذبة الثانية: أننا خير أمة أخرجت للناس.. الكذبة الثالثة: أن الغرب يعادينا من أجل ديننا، وأننا نعيش حربا صليبية ثانية.. الكذبة الرابعة: أن الإسلام دين الرحمة والرأفة.. الكذبة الخامسة: إن كل ما حرمته علينا شريعتنا هو خير لنا.. الكذبة السادسة: أن الإسلام حرر المرأة.. الكذبة السابعة: أن ابتعادنا عن ديننا هو مصدر شقائنا وتخلفنا, والحال أنه هو الذي ابتعد عنا ولم يعد يطاوع معطيات عصرنا، لأنه توقف في عهد ابن تيمية، وتوقف معه كل اجتهاد وعطل أفضل عضو في جسدنا وهو العقل، وأضاف إلى ذلك بث ثقافة الاتكالية في تفكيرنا، فعندما نعجز عن تحليل الأشياء بالعقل والمنطق نردها إلى الله..” العدد:2648.
وانظر أيها القارئ الكريم إلى قصيدة “بريد إلكتروني إلى الله” للشاعر العراقي صلاح حسن, والتي نشرتها دون تعليق أو استنكار جريدة الصحيفة في عددها 214، يقول فيها:
“عزيزي الله
لست مضطرا لمخاطبتك
..فلدي إميل الآن.
يمكنك أن تجيب على رسائلي
بالضغط على (Replay)
لدي أسئلة كثيرة
أنت مجبر للإجابة عليها.
لقد بلغت الخامسة والأربعين
وأظن أنني عاقل بما فيه الكفاية
كي أسألك عن واجباتك.
ما الذي تفعله طوال اليوم؟
هل تقرأ الصحف؟
هل تستمع إلى الإذاعات؟
ألم تسمع في خطب الجمعة
شيئا عن العراق؟
هذا البلد الذي رفع اسمك عاليا..
لماذا لا تحرك ساكنا؟
هل أنت ميت؟
وما نراه سوى تمثالك؟
أريد أن اعرف فقط
فقد بلغت الخامسة والأربعين
وما زلت جاهلا وظيفتك في حياتي.
لديك كل شيء هنا:
الفاكس والتلفون والإيميل..
أرجو أن تقدم لي شرحا مفصلا
فليس لدي وقت أضيعه
مع أشخاص مثلك”.
وأخيرا إلى المغترين بحرية الإبداع التي قتلت فينا كل حمية للدين، نهدي هذه الواقعة التاريخية التي توضِّح بجلاء كيف كان يذب المسلمون الأوائل عن دينهم حتى وصل إلينا بكامل عافيته، كما سجَّلها القاضي عياض في كتابه “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” حيث يقول:
(..وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بـ”ابن أخي عجب”، وكان خرج يوماً، فأخذه المطر، فقال: بدأ الخرّاز يرش جلوده، وكان بعض الفقهاء به -أي بقرطبة- أبو زيد، وعبد الأعلى بن وهب، وابن عيسى قد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبث من القول يكفي فيه الأدب، وأفتى بمثله القاضي حينئذٍ موسى بن زياد، فقال ابن حبيب: “دمه في عنقي، أيشْتُم ربّاً عبدناه ولا ننتصر له؟ إنَّا إذاً لعبيد سوء، وما نحن له بعابدين”، وبكى، ورفع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن ابن الحكم الأموي (ت 282ه‍(، وكانت “عجب” عمة هذا المطلوب من حظاياه، أي من أحب الزوجات لعبد الرحمن ابن الحكم، وأُعْلِمَ باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه، وأمر بقتله، فقُتِلَ وصُلِبَ بحضرة الفقيهين: ابن حبيب، وأصبغ، وعَزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة، ووبّخ بقية الفقهاء وسبهم) الشفا 2/299.
وليُكثر القارئ الكريم ومن يخاف من سطوة الجبار وانتقامه من التهليل والتسبيح والتقديس والتمجيد لرب هذا الكون وخالقه قبل أن يقرأ أقوال هؤلاء الأفاكون الأثيمين، حتى لا يأمر الله تعالى السماء أن تطبق على الأرض ومن فيها، فاللهم لك الثناء والحمد والكبرياء والمجد كله حتى ترضى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *