أبو بكر القادري*: علال الفاسي كان مع المقاومة المسلحة وضد مفاوضات «إيكس ليبان»

هل صحيح أنه بسبب تشكيلة الوفد المغربي الذي ذهب ليفاوض في «إيكس ليبان» كان علال الفاسي ضد هذه المفوضات والظروف التي تمت فيها؟
هذا صحيح؛ لقد كان علال الفاسي أولا ضد مفاوضات إيكس ليبان خشية أن لا تؤدي إلى تحقيق الاستقلال وتحقيق الوحدة المغربية ولم يكن ضد الوفد الاستقلالي، فالسي علال الفاسي لا يمكنه أن يكون ضد عبد الرحيم بوعبيد أو ضد عمر بن عبد الجليل أو اليزيدي أو ابن بركة… ولكنه كان ضد أشخاص لم يكونوا أهلا ليضمهم الوفد المغربي ممثلين للقواد والباشوات وما شابههم، من الذين قاوموا محمد الخامس وحاربوه فكرةَ الاستقلال، ولذلك كان يرفض إيكس ليبان والتفاوض الذي جرى فيها.

ما هو المشروع الذي كان يدافع عنه بدلا عن «إيكس ليبان»؟
استمرار المقاومة المسلحة وإنشاء جيش التحرير وتكثيف المواجهة وكان يفكر في أن يستمر النضال على مستوى المغرب العربي ككل إلى أن يضطر الاستعمار للركوع، ووقتها ستتم المفاوضات لكن بشكل جدي وفي إطار تكون الحركة الوطنية هي التي تقود فيه المفاوضات وألا تكون في الوفد مثل تلك العناصر التي ما كان ينبغي لها أن تفاوض باسم المغرب، لأنها عبر إيكس ليبان حولها الاستعمار إلى قوة مؤثرة في المغرب بعد حصوله على الاستقلال.

ولكن لماذا ظل علال الفاسي هو الوحيد من بين قادة حزب الاستقلال الذي يرفض مفاوضات «إيكس ليبان»؟ ولماذا لم يؤارزه في موقفه هذا قادة آخرون؟
قيادة الحزب قررت أن تزاوج بين المقاومة والنضال وبين التفاوض، وعندما تدخل إلى معمعة التفاوض فإنك تجد نفسك مطوقا ببعض الالتزامات، فنحن في المغرب كنا نفكر بالإضافة إلى وضعنا الداخلي في الاستفادة من مساندة أحرار فرنسا الذين كانوا يساندوننا في معركتنا من أجل الاستقلال، ففرق كبير بين الظرف الذي نعيشه الآن ونصدر فيه الأحكام كيف نشاء، والظروف كما كنا نعيشها بضغوطاتها ومتغيراتها. لقد كنا نراعي التوازنات في المغرب وفي الخارج، فلكل حدث تاريخي ظروفه التي تؤدي في بعض الأحيان إلى حدوثه رغما عن إرادة كثير من الناس.

بعض المحللين والمؤرخين يعتبرون أن مفاوضات «إيكس ليبان» كانت سهلة بالنسبة للوفد المغربي المفاوض، لأنه تمكن بسرعة من إقناع الفرنسيين بأن عودة محمد الخامس ضرورية لإمكانية وقوع تفاهم بين المغرب وفرنسا.. سؤالي هو هل فعلا كانت مفاوضات «إيكس ليبان» سهلة وبسيطة؟
عندما نفي محمد الخامس رد الشعب المغربي على نفي الاستعمار له بجميع الوسائل، لقد حدث رد فعل شعبي لم يكن الاستعمار يتوقعه، وحدث ذلك بأمر وتوجيه من حزب الاستقلال، واندلعت المظاهرات، وتوزعت الوفود المغربية في الخارج، وفتحت لها مكاتب للتعريف بالقضية الوطنية، واندلعت بعد ذلك المقاومة المسلحة في المدن المغربية، ثم في البادية. هل كان لكل هذه التحركات صدى وتأثير على طاولة المفاوضات أم لا؟
في اعتقادي لا يمكن لعاقل أن ينفي وجود تأثير على مجرى التفاوض بين المغرب وفرنسا نتيجة الأحداث التي كانت تقع في المغرب، ولأن حزب الاستقلال كان في نشأته ملكيا، ومتشبثا بسلطان البلاد، باعتباره يمثل رمز وحدتها وسيادتها، ونظرا للمكانة الدولية التي كان الملك يتمتع بها، والتي تعززت بتضحيته بعرشه في سبيل استقلال المغرب، فإن الوفد المغربي الذي كان في إيكس ليبان شدد على ضرورة عودة محمد الخامس إلى أرض الوطن ليكون التفاوض معه، لتشييد أسس علاقة سياسية بين المغرب وفرنسا يحصل بموجبها المغرب على استقلاله.
لقد سعى الاستعمار إلى خلط الأوراق لحظة عزمه التفاوض مع المغرب، وأخذ يستقدم إلى طاولة المفاوضات عناصر لم يكن لها أي وزن في الساحة السياسية الوطنية، وبسبب ذلك شدد حزب الاستقلال على ضرورة ألا يكون هناك تفاوض إلا بإشراف محمد الخامس.
ــــــــــــــــ
*كتاب: أبو بكر القادري سيرة ذاتية في حوارات صحفية؛ ط 1422/2001.
وهو أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، ومن رجالات الأدب والفكر والوطنية في المغرب، والمجاهدين الذين وسموا الحركة الوطنية والتحريرية بعطائهم. وأحد أبرز المقاومين للظهير البربري الذي أصدرته فرنسا. وقد أسهم سنة 1934 في إحداث كتلة العمل الوطني٬ ثم جمعية الشباب المسلم، كما شارك في تأسيس الحزب الوطني سنة 1937 وحزب الاستقلال سنة 1944. وتوفي رحمه الله في 02 مارس 2012.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *