حتى رمضان الشهر المبارك يريدون علمنته! إبراهيم الوزاني

رمضان شهر الخيرات والبركات والنسمات الإيمانية، وهو شهر العبادة والقرب من المولى سبحانه وتعالى، تنشط فيه القلوب لتحيى مع روح الوحي في جنات السعادة الدنيوية التي تُلحِق العبد بجنات عدن والفردوس الأعلى، بل رمضان يمثل ميلاد الأمة بنزول القرآن فيه، وسريان الهداية منه، وانطلاق الدعوة والطهارة والأخوة والمحبة في أيامه ولياليه، وهو محطة الزاد والحياة والكرامة، والقلوب العامرة بحب الله هي التي تحيي ليله ونهاره في مرضاة محبوبها، فلا وجود للفكر العلماني الذي يجعل الدين ممارسات فردية رهينة أماكن العبادة، بل المسلم هو من يجعل زمانه ومكانه لربه لأنه لا ينفك عن عبوديته.
في الدين هناك عبادات ومعاملات وأخلاق، والعلمنة لما هو ديني ليست هي فصل الدين عن الدولة أو فصله عن الحياة اليومية وحسب، بل قد تأخذ العلمنة شكل إدخال البعد المادي الدنيوي في الأخلاق والعبادات، وتحويل العبادات نفسها عن مقاصدها وغاياتها التي تخدم الرؤية الإسلامية؛ لتنقلب في النهاية لخدمة نظم الحياة غير الإسلامية، فتكون ممارسة الفرائض الدينية في ظاهرها مستمرة وتامة، لكن في الحقيقة تخضع لعلمنة متدرجة ما تلبث أن تصبح قوية وفاصلة.
وينطبق هذا على رمضان؛ إذ أنه الشهر الذي فرض علينا الله فيه الصيام، وسن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيه القيام، وغايته الكبرى هي ربط المسلم في علاقة إيمانية بربه بالعبادة والذكر، وبإخوانه في المجتمع بالتكافل والبر، لكن قد تحول في زمن الغربة هذا إلى مناسبة إعلامية يصرف فيها التلفاز والقنوات الفضائية الناس عن العبادة، وإعلانية يزيد فيها استهلاكنا من الطعام نوعاً وكمًّا، ويتحول فيها السوق الإسلامي لسوق مروجة للبضائع الأجنبية التي تحاول تسويق إنتاجها بتوفير سلع “رمضانية”..
لقد ارتبط شهر رمضان في ذاكرة الأمة المسلمة بالعزة والكرامة، ابتداءً من غزوة بدر الكبرى، التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون في أول رمضان يصومه المسلمون، لذا فقد حرص أعداء الأمة المسلمة في هذا العصر على تفتيت هذا الارتباط الحيوي الذي يجمع المسلمين بهذا الشهر الكريم، وراحوا يعملون من أجل ذلك على محورين:
الأول: العمل على جعل شهر رمضان بالنسبة للأمة المسلمة شهراً للمآسي والنكبات، وهذا مشاهد في البلدان الإسلامية مثل: فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وغيرها. فما أن يقترب حلول رمضان حتى يشتعل فتيل المواجهات بين أنصار الحق المستضعفين وجبابرة الباطل الذين استقووا على حين غفلة منا، فصاروا يذيقوننا سوء التعذيب..
الثاني: السير بخطوات حثيثة نحو علمنة شهر رمضان، وذلك من خلال تفريغ هذا الشهر الكريم من محتواه الذي أراده الله سبحانه وتعالى، فبدلاً من أن يكون رمضان محطة إيمانية، ووقفة للتوبة الصادقة والمحاسبة والمراجعة، نجده تحول بفعل وسائل الإعلام إلى شهر من شهور ألف ليلة وليلة، ليس على مستوى الطعام والشراب فقط، بل على مستوى العـفة والفضيلة التي تنحر من الوريد إلى الوريد في القنوات الفضائية العربية، حيث تحول معظمها إلى أندية ليلية، راحت تتفنن في محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، تحت مسمى السهرات الرمضانية، والخيام الرمضانية، ولسان حالها يقول: يا باغي الشر أقبل، ويا باغي الخير أقصر.
والمطلع على الإنتاجات السينمائية والدرامية والتلفزيونية يعلم علم اليقين أن منتجيها راحوا يتنافسون في تقديم أفضل العروض مع مطلع هذا الشهر، حتى صار شهر رمضان شهر التلفزة بامتياز، وما مرد ذلك إلا خطط غربية ماكرة حاقدة تبغي تدمير الوازع الديني عند الفرد المسلم الذي تشحد همته نسائم رمضان الإيمانية.
وخوفا من أن يكون رمضان محطة لمراجعة الذات المسلمة، وعيادة للرجوع والتمسك بالعروة الوثقى والعض بالنواجد على حبل العبادة والطاعة، وقنديلا يضيء للتائهين صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، عمل العدو على أن يكون رمضان مناسبة لنشر الرذيلة والمجون والدياثة ونشر ثقافة الاستهتار واللامبالاة عبر التفنن في عرض الأفلام والمسلسلات التي تحطم القيم والأخلاق، وخلق فضاءات المعصية كمقاهي الشيشة والمراقص، بل وتزدهر تجارة الرقيق الأبيض في الكثير من الأماكن في رمضان بالذات..
إن أمة أحالت شهر الطاعة شهر معصية ومجون حري بها أن تلازم الذل، وتبعث برسائل الود لمجدها التليد الذي تعلم أنه لن يرجع إليها حتى تحقق وصية نبيها صلى الله علية وسلم كما في الحديث: “..سلط الله عليكم ذلا، لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا لدينكم”، ومن ديننا شهر رمضان الذي تجب فيه عبادة الرحمن بالصوم، ففي الحديث: “كل عمل لابن آدم، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *