رمضان لمكانته الاعتبارية يفرض نفسه على الجميع؛ فيحدث حالة استنفار عند المسلمين وحتى غير المسلمين، وعند المهتمين وعند المتشائمين، وعند المحبين وعند المبغضين. وحتى “وكالين رمضان”.
بل وحتى عند شياطين الإنس شهر رمضان له اعتبار خاص، يولون له كل الاهتمام، ويأخذونه بكامل الاعتبار وجل الحسبان وهم يضعون مشروعهم المفسد للصيام بكل المقاييس التي تتناسب وظروف هذا الشهر وخصوصيته لدا العامة، وما حباه الله به من مؤهلات وخصائص تجعله شهر الإقبال على الله بشكل لافت باهر.
وهذا هو الأهم في الموضوع حيث نرى الوضع في المجتمعات المسلمة مختلفا تماما عنه في بقية الشهور، ففي رمضان وفي رمضان فقط تشعر شعورا خاصا أنك فعلا في مجتمع يطبعه التمسك بالإسلام وشعائره الظاهرة والباطنة؛ فالمساجد تمتلئ في جل الصلوات، حتى في صلاة الصبح التي تشكوا قلة المقبلين عليها بقية العام.
والقرآن يتلى في كل وقت؛ في السفر والحضر، وفي كل مكان من المسجد إلى البيوت إلى أماكن العمل إلى وسائل النقل، إلى الفضاءات العامة، كما يهتم الناس بمعرفة الأحكام الشرعية لكثير من تصرفاتهم وأعمالهم، ويقبلون على الصدقة والإحسان ويتنافسون في ذلك غاية التنافس.
ورسائل الوعظ والتذكير تغزوا كل وسائل الإعلام ووسائطه، والناس ذاهبون أفواجا أفواجا إلى بيت الله الحرام من أجل أداء مناسك العمرة من مختلف الأعمار والأجناس، وتلبس كثير من المتبرجات لباس الستر والحشمة… وتعوض أقراص القرآن وتسجيلاته أقراص الغناء وتسجيلات الهواتف…، وهكذا يعيش المجتمع جوا روحانيا إيمانيا مثيرا للدهشة، ومنعشا لهرمون السعادة، ومثلجا للصدور التي طالما خيم عليه الحزن بسبب واقع المسلمين مدة إحدى عشر شهرا من البعد والانغماس في بحر الشهوات.
إن هذه الصورة المجتمعية الرائعة في علاقتنا بالإسلام وشعائره هي المرجوة والمطلوبة من واقع المسلمين على طول الحول. وإن العوامل المؤثرة في هذه الحالة راجعة حسب وجهة النظر بالإضافة إلى ما هيأه الله من أجواء تساعد على الإقبال عليه من تصفيد الشياطين وفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النيران، هناك أيضا الاهتمام البالغ والشعور الخاص بمكانة رمضان، وكيف ينبغي أن يكون عليه الفرد والجماعة من الطاعة والعبادة والقرب إلى الله، والحالة المجتمعية التي تجعل الإنسان ينساق معها جبرا واختيارا حين يرى الواحد مثلا هبوب الناس إلى المساجد جماعات ووحدانا، فلا شك أن الحالة هذه تحرك فيها مشاعر الانتماء إلى الإسلام وأمة الإسلام ومجتمع الإسلام، ففي أحسن الأحوال يتأثر الرائي بهذه المشاهد فيستجيب بدوره لنداء الله، أو يختف عن الأنظار خجلا واستحياء له ما بعده.
زيادة على التواصي بين الناس على الطاعة والعبادة والاستقامة، وما يشهدونه من دروس الوعظ والإرشاد طيلة الشهر المبارك وهو ما يقل صيته ومداه في غيره من الشهور.
نستطيع القول بأن حال المسلمين في رمضان في علاقتهم بربهم ودينهم هي ما ينبغي أن نكون عليه دائما وأبدا حتى نكون مجتمعا ربانيا لا رمضانيا. وأن نحرص على بقاء تلك الأجواء الرمضانية في باقي الشهور والأيام، على اعتبار أن رمضان مدرسة نتلقى فيها تكوينا مكثفا وبقاء الحال على مدار الحول دليل على أننا فعلا استفدنا من تلك الدورة التكوينية وأنها تركت أثرا في النفوس، وأن ما كان عليه الناس في رمضان كانوا عليه صادقين غير مرائين ولا مخادعين.
كل هذا لا ينفي وجود ما يشوش على هذه الصورة الجميلة البارزة، من أناس تملكت الأهواء نفوسهم فلم يعودوا قادرين على التخلص من شهواتها حتى وإن توفرت الظروف ودعت الدواعي، وهؤلاء لو استمر حال الناس الذي كانوا عليه في رمضان سيكون بمثابة مضاد حيوي لكل الآفات الأخلاقية والفكرية التي سادت في المجتمع، وسواء طال الزمن أو قصر سيختفي هذا النوع من البشر، ولن يبق هناك إلا فرادى عاجزون عن المجاهرة بمنكراتهم سواء في الشهر الفضيل شهر رمضان، أو بقية الشهور حيث المجتمع يكون قد استعاد عافيته، وقوى مناعته، وأعاد تشكل الوعي الأخلاقي الجمعي القائم على توجيهات الإسلام وتشريعاته، استغلالا لبركة هذا الشهر المبارك لا حرمنا الله بركته.