يقصد بها أقاليم الساورة وتيندوف والقنادسة وكلومب بشار وواحات توات وتيديكلت.. وهي مناطق تزيد مساحتها عن مليون ونصف المليون كلم مربع، وتستبطن ثروات معدنية هائلة بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والحديد.. وقد ظلت محافظة على هويتها المغربية سواء قبل أو بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830م.
وبرغم هزيمة الجيش المغربي في موقعة إيسلي عام 1844م، وما ترتب عليها من توقيع معاهدة لالّة مغنية خلال السنة الموالية، والتي أريد بها ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر الخاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي آنذاك؛ فقد ظلت هذه الأقاليم عصية على جميع محاولات الغزو التي استهدفتها من حين لآخر. ولم يتأت للمعتدي اختراق الجبهات الدفاعية الأولى إلا عام 1855م، حيث عمل الغزاة الفرنسيون على استغلال حالة الفوضى التي عمت المغرب إثر وفاة السلطان الحسن الأول، عبر بسط نفوذهم تباعا على أهم مراكز الصحراء الشرقية، بدء بعين صالح عام 1889م، ومرورا بتوات في مارس 1900م، ووصولا إلى تندوف التي لم تطأها أقدامهم إلا عام 1934م بقيادة الكولونيل ترانكي.
ومع ذلك فقد ظل إقليم تيندوف خاضعا لسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب حتى عام 1947م حين قررت إدارة الاحتلال إلحاقه بمنطقة وهران الجزائرية، وبالتالي ضمّه نهائيا لما كانت تعتبره ترابا فرنسيا؛ كأثر على الامتعاض الشديد الذي خلفه لديها خطاب الملك محمد الخامس في زيارته التاريخية لمدينة طنجة الخاضعة وقتها للإدارة الدولية. وإن بقي الإقليم المذكور على أرض الواقع تابعا للمنطقة العسكرية لأكادير إلى غاية مطلع الخمسينات.
البراهين الدالة على مغربية الصحراء الشرقية أوضح من أن يعتم عليها
وإذا كان البعض سيعمد إلى التشكيك في مشروعية الحقوق الترابية المغربية بالنظر إلى الغموض الذي اكتنف سواء اتفاقية السلام بين المغرب وفرنسا التي أعقبت هزيمة موقعة إيسلي والمبرمة بطنجة في 10 سبتمبر 1844م، أو اتفاقية لالّة مغنية في 18 مارس 1845م، فإن ما لا تذكره معظم كتب التاريخ هو كون هذه الأخيرة قد أثارت “سخط السلطان المولى عبد الرحمن الذي قام بفضح المؤامرات الفرنسية، سيما وقد كانت رسالة التفويض الملكية، تحرص على أن تبقى الحدود بين المملكة المغربية والإيالة الجزائرية على ما أقرته الاتفاقية التركية المغربية عام 959هـ/1552م.
وتحتفظ مديرية الوثائق بعدد من الرسائل التي شجب فيها السلطان المولى عبد الرحمن التغرير بالمفاوضين المغربيين حميدة الشجعي وأحمد الخضر، تلك الرسائل التي أعلن فيها عدم رضاه على الاتفاقية الممضاة، وعزمه على عدم المصادقة عليها..” (عبد الهادي التازي – التاريخ الديبلوماسي للمغرب – من أقدم العصور إلى اليوم – 10/16 ط 1989م).
إضافة إلى وجود عدة معاهدات دولية أبرمت لاحقا وأكدت بعبارات واضحة وصريحة على ضرورة المحافظة على الحدود التاريخية للمغرب، رافعة بذلك كل مظاهر اللبس التي حاول الفرنسيون التذرع بوجودها بغية الالتفاف على الالتزامات المرتبة على إبرام المعاهدتين المشار إليهما آنفا. ويكفي أن نذكر هنا ببعض هذه الاتفاقيات الدولية التي أثبتت حجية الموقف المغربي؛ وهكذا نجد الاتفاق الموقع بين فرنسا وألمانيا بتاريخ 4 نوفمبر 1911م؛ والتصريح المشترك الفرنسي الإنجليزي الإسباني في 3 أكتوبر 1904م.
وخلال شهر أبريل من سنة 1956م، وفي محاولة منها لثني المغرب عن الاستمرار في دعم الثورة الجزائرية؛ لجأت الحكومة الفرنسية إلى مساومة نظيرتها المغربية بشأن إمكانية تسوية ملف الحدود الشرقية مقابل الكف عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم والمساندة للإخوة الجزائريين. ثم جدد العرض ثانية عام 1957م؛ غير أن موقف الملك محمد الخامس الرافض للدخول في مفاوضات من هذا القبيل إلى حين استقلال الجزائر، باعتبار ذلك ضربا من ضروب الخذلان والخيانة لجهاد الشعب الجزائري الشقيق، قطع الطريق أمام إمكانية إبرام أي صفقة مشبوهة من هذا القبيل. وقد جاءت اتفاقية 6 يوليوز 1961م بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية المؤقتة لتثمن هذا الموقف التاريخي، وتطمئن المغاربة على حقوقهم المشروعة.
حكام الجزائر يستغلون ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية
لكن الأمور ستنقلب رأسا على عقب بمجرد حصول الجزائر على استقلالها، بموجب اتفاقية “إيفيان” الموقعة بتاريخ 18 مارس 1962م بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والجمهورية الفرنسية؛ حيث اختار حكام الجزائر الجدد التنكر لكل الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم فيما يرجع لتسوية ملف الحدود الذي لم يكن يدر بخلد المغاربة أنه سيصبح يوما ما محط أي نزاع أو مساومة؛ خاصة وأنهم لم يبخلوا في تقديم كل أشكال الدعم والمساندة للإخوة الجزائريين في جهادهم ضد المحتل الفرنسي.
وهكذا فقد حرص حكام الجزائر، ومنذ حصولها على الاستقلال الرسمي يوم 5 يوليوز 1962م، على الإمساك دوما بزمام المبادرة وإعتماد أسلوب المباغتة في علاقتهم بالمغرب، حيث طالب محمد خيضر باسم الحكومة الجزائرية في 30 أبريل 1963م بضرورة حل مجموعة الدار البيضاء المنبثقة عن المؤتمر الإفريقي الذي احتضنته العاصمة الاقتصادية في يناير 1961م؛ والتي أعلنت دعمها للمغرب في سعيه لاستكمال وحدته الترابية بما في ذلك استعادته لموريطانيا؛ لتحل محلها منظمة الوحدة الإفريقية التي أقر ميثاقها بطريقة ملتوية في بنده الثالث مبدأ اعتماد الحدود الموروثة عن الاستعمار، والذي لم ينص عليه صراحة إلا في القرار رقم 16، الصادر عن القمة الإفريقية المنعقدة بالقاهرة في يوليو 1964م والمستند أساسا إلى البند المذكور، حيث نصّ على أن “تتعهد جميع الدول الأعضاء على احترام الحدود القائمة عندما يتم استقلالها الوطني”؛ وهو ما يتناغم مع الأطروحة الجزائرية.
وإذا كان المغرب قد انضم إلى منظمة الوحدة الإفريقية بتاريخ 9 شتنبر 1963م، لكنه تحفظ طبعا على البند الثالث الآنف الذكر..
(مجلة أطياف مغربية العدد الثاني يونيو يوليوز غشت 2009 – ص:9-10، بتصرف يسير).