لقد استغربت حتى استعبرت واستعربت حتى استعجمت.. من ما دار في قبة البرلمان حول “إغلاق دور القرآن”.
ولست أدري متى أصبحت “دوارا” كما قال السيد الوزير، ومن الفوارق أن وزير الداخلية الباكستاني الجنرال “معين الدين حيدر” عقد منذ قرار مراقبة المدارس القرآنية بباكستان، بعدما أكدت أمريكا صلة هذه المدارس بالتطرف وطالبان، ودفعت 100 مليون دولار لبرنامج المراقبة. وبالتحديد يوم السبت 08/12/2001 في كراتشي لقاءات مع مسؤولي المدارس القرآنية لإخبارهم بالبرنامج الحكومي للرقابة على هذه المدارس.
فهل كان في دورالقرآن بالمغرب ما هو محجوب عن أنظار السلطات.. وراء أبواب مسدودة؟
أم هل كان فيها تمدرس جاليات في مختلف دول العالم.. بجوازات مزورة بآسيا الوسطى؟
أم هل كان لها معسكرات تدريبية ودورات في تعلم استعمال الأسلحة.. ودولة قنص داخل دولة حبس؟
بل هل كان لها حتى داخلية تستطيع إيواء العديد من الدارسين الفقراء المغاربة.. وليسوا من إيران ولا الشيعة؟
بل هل دور القرآن في المغرب بلغت من عمرها قرونا كما في باكستان أم أنها في عمر الزهور وسنوات معدودة؟
أم هل وصلت إلى حدود 5 آلاف مدرسة توفر المعونة لقرابة نصف مليون طالب؟
في حين أن باكستان في يناير 2002 أقرت خطة أعدت بالتعاون بين الداخلية ووزارة الشؤون الدينية تهدف إلى تعديل برامج المدارس ودمجها بالمؤسسات التعليمية الرسمية لضمان التمويل الداخلي ولضمان الشهادة المعترف بها، وترحيل الأجانب المشتبه فيهم.
هذه جمهورية باكستان!! فهل يصح القياس يا معشر العقلاء ونحن في المملكة المغربية مملكة التآخي والوفاق، مملكة الوضوح والوطنية، مملكة الحق والقانون والإنصاف والمصالحة، مملكة أمير المؤمنين، ملك حماس الشباب وحكمة الشيوخ، ملك التعقل والرحمة مملكة الاستقرار والاستقلال.
أليس من حق دور القرآن في مملكة الحق المحاورة بدل المصادرة، والتهذيب بذل التعذيب؟ أليس من حق دور القرآن تحذيرها مما قد تغفل عنه، فتحيطها الدولة علما بما يزيل الشبهة عنها وتزودها بما يحسن مردوديتها على الوطن والتنمية؟
إن أغلب من نعتهم الغرب بالإرهابيين تلقوا تعليما جامعيا عاليا ولا سيما في اختصاصات تقنية كالهندسة مثلا، ولم يكونوا حفظة قرآن بسطاء ولا طلبة علم فقراء.. لا يخرجون من المدار الحضري أو القروي لبيوتهم إلا كيلومترات قليلة إن وجدوا من يتبرع بنقلهم إلى حيث حاجتهم..أما منفذو هجوم 11 سبتمبر فكلهم تابَعوا تعليمهم في جامعات الغرب كألمانيا وكارولينا الشمالية، وهذا يؤكد خطر هذه النظرية التي يسوّق لها “العلمانيون” أو “المسترزقة”.
وقد تكون الداخلية ضحية التصوير الخاطئ عن “دور القرآن” و”التقارير” المجتزأة والتي يتمحور جميعها حول هذه “النظرية الآثمة”: دور القرآن تخرج أجيال الإرهاب المستقبليين. وهي أخت النظرية الخاطئة الأخرى “الفقر محرك الإرهاب”.
فإذا كان الإشكال في “القرآن” فالقرآن كتاب الدولة ودستورها الأول..
وإذا كان في الرواد والمستفيدين من دور القرآن فهم أبناء المجتمع ورواد وزارة التربية والتعليم والأوقاف قبل وبعد.
وإذا كان في الأساتذة والمؤطرين فالدولة أعرف بهم وليس فيهم غريب.
وإذا كان في المواقف والآراء، فالحقيقة على أرض الواقع -التي لا ينكرها إلا مكابر- تشهد أنه لم يقف بلسان الحجة الشرعية ضد التكفيريين وأعداء وحدة التراب الوطني من اليساريين وأشباههم أحد كما وقفت دور القرآن ببيانات وخطابات دامت أكثر من ثلاثين سنة وفي أحلك الظروف وأصعب الأوقات..
وإذا كان الإشكال في المؤشرات بين السطور.. فالعالم مفتوح والقارات الخمس قرية واحدة.. والمؤطرون بقدر سعة أثير الهواء وبعدد القنوات والمواقع.. فهل نؤاخذ بما لا نحيط به علما وتعجز عنه متابعته الدول العظمى…
وإذا كان متعلقا بالبيانات فلكم أن تهيموها.. وإذا كان في اللافتات فاقتلعوها.. (وقد فعلتم).. والله المستعان.