كان هذا عنوان المحاضرة التي شارك بها الشيخ حماد القباج في الندوة التي نظمتها منظمة الشبيبة الاستقلالية أول أمس الخميس 11 شتنبر بالحي الجامعي مولاي إسماعيل بمكناس في موضوع: (الشباب بين الأمن الروحي ومنزلقات التطرف).
افتتح المحاضر مداخلته ببيان أن كل الطوائف الإسلامية المنحرفة تجد لانحرافها متمسكا في باب من أبواب الشريعة، ويعتبر باب الجهاد من المداخل التي تحاول طوائف الخوارج التكفيرية الاستناد إليه لتصحيح فكرها المنحرف وممارساتها الضالة.
ثم تطرق إلى تعريف الجهاد والآيات والأحاديث في فضله مؤكدا أن الجهاد في سبيل الله تشريع إلهي وحكم شرعي، له حِكمه البالغة ومنافعه الكبيرة.
وفي إبراز عدالة الجهاد وضح أن أول آية نزلت في مشروعية الجهاد هي قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج:39-41].
قال: (وبالرجوع إلى فقه الآية وسبب نزولها ندرك مدى مشروعية الجهاد شرعا ومنطقا:
قال العماد ابن كثير: “لما بَغَى المشركون، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شَذرَ مَذَر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة. فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}.
قال القباج: ومن الآيات المؤسسة للجهاد قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
قال: {ولا تعتدوا}: أي لا تقاتلوا من لم يقاتلكم، ونقل عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولا تعتدوا}؛ يقول: “لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم”.
كما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: “فقوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}؛ تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا، فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال.
ثم قال: {ولا تعتدوا}؛ والعدوان مجاوزة الحد، فدل على أن قتال من لا يقاتلنا عدوان، ويدل عليه قوله بعد هذا، فدل على انه لا تجوز الزيادة…
ثم بين أن مذهب جمهور العلماء ومنهم المالكية أن الكافر إنما يقاتل صاحبه لمحاربته لا لكفره، واستشهد بقول ابن القيم: (القتل إنما وجب في مقابلة الحراب لا في مقابلة الكفر، ولذلك لا يقتل النساء، ولا الصبيان، ولا الزمنى، والعميان، ولا الرهبان، الذين لا يقاتلون؛ بل نقاتل من حاربنا، وهذه كانت سيرة رسول الله في أهل الأرض، كان يقاتل من حاربه إلى أن يدخل في دينه، أو يهادنه أو يدخل تحت قهره بالجزية، وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم، كما تقدم من حديث بريدة).
ومن هنا خلص القباج إلى خطأ ما يفعله تنظيم داعش حين يقتلون الصحافيين ويفرضون الإسلام أو الجزية على بعض الطوائف التي لا تقاتلهم مما يؤكد جهلهم بالشريعة.
وفي تعليقه على ظاهرة سفر بعض الشباب المغربي للقتال إلى جانب ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش) أكد القباج أنه ينبغي التعامل مع الظاهرة في إطار فكري وعلمي توعوي وليس فقط من خلال المقاربة الأمنية وقد وجه إلى من سماهم الشباب المتأثرين بدعاوى الجهاد غير المنضبطة بالضوابط الشرعية نصيحة وضح فيها أن بؤر التوتر التي يسافرون إليها ليست مجالا للجهاد الشرعي وأن المطلوب منهم الانخراط في الجهاد المتاح في بلدهم وهو جهاد الإصلاح والتنمية مستشهدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه لمن استأذنه للسفر من أجل الجهاد فقال له الرسول: (هل لك أبوان)؟ قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد).
يشار هنا إلى أن محاضرة الشيخ القباج عرفت تجاوبا وتفاعلا من الحاضرين الذين غصت بهم قاعة الندوات والذين كانوا يقاطعون المداخلة بالتصفيق.