التمزق والتشرذم في مواجهة عدو متكتل

يقول العلمانيون: إن قضية فلسطين قضية فلسطينية، تخص شعب فلسطين وحده، ولا يبقى للشعوب العربية الأخرى إلا أن تتعاطف مع هذا الشعب في محنته ومأساته؟!

لم يقتصر التأثير السياسي للعلمانية في قضية فلسطين على إخراج الإسلام من دائرة الصراع وما تبع ذلك من إلغاء للعداوة من أجل الدين (البراء)، والافتقار إلى إرادة الجهاد لإخراج المحتل الصائل (الولاء)، وهدر الطاقات الإسلامية في هذا الصراع.. بل استطاع هذا التأثير أن يحقق أيضاً هدفاً آخر من المخطط الصهيوني، وهو تفتيت التكتل الإسلامي، وإغراق الأمة في دائرة تمزقات متشعبة، وإدخال الأفراد في متاهة اغتراب قيمي ضاعت بوصلة هويته على يد العلمانية.
فاختلاف مذاهب العلمانية وتطبيقاتها، وتباين كل قطر في توجهاته ومصالحه (التي لم تعد موحدة).. مزق جهود هذه الأقطار في مجالات عديدة فكرية وجغرافية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، فبين الليبرالية ودرجاتها، والاشتراكية ونظرياتها، والقومية وتطبيقاتها، وبين الارتباط بالغرب ضاعت جهود الأمة، أو تحولت إلى تصريحات جوفاء ومشاهد مسرحية دعائية يقوم بها الزعماء العلمانيون؛ لإلهاء الشعوب وحفظ ماء الوجه أمامها.
فالعلمانية عندما اعتمدت القومية العربية إطاراً للصراع تكون قضية فلسطين قد خسرت تلقائياً إمكانات وجهود الأقطار الإسلامية غير العربية من المشاركة في هذا الصراع، وليس أدل على ذلك من اعتراف إيران وتركيا مبكراً بالدولة الصهيونية ومد يد التعاون معها.
زد على ذلك: أن العلمانية لم تكتف بتحييد الشعوب الإسلامية غير العربية في الصراع، بل عملت أيضاً على تحييد الشعوب العربية نفسها، عندما كرست التوجه القائل بأن قضية فلسطين قضية فلسطينية تخص شعب فلسطين وحده، ولا يبقى للشعوب العربية الأخرى إلا أن تتعاطف مع هذا الشعب في محنته ومأساته.
وقد كان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وانحرافها العلماني إحدى الخطوات في (فلسطنة) الصراع، وجدير بالذكر في هذا المجال أن (زعيم القومية العربية) جمال عبد الناصر، وقبيل بدء مغامراته الاستنزافية والتمزيقية في اليمن، كان قد أعلن في فبراير عام 1958م قيام دولة وحدة عربية بين مصر وسورية، فـ”استبشر بها الفلسطينيون خيراً، وبنوا الآمال الكبار عليها متوقعين من دولة الوحدة اتخاذ خطوات إيجابية لعودة الفلسطينيين إلى بلادهم وتحرير أرضهم المحتلة، إلا أن خيبة أملهم كانت كبيرة عندما رفض عبد الناصر طلباً تقدم به الحاج أمين الحسيني رئيس اللجنة العربية العليا بقبول فلسطين في الاتحاد السوري المصري.
ويبدو أن عبد الناصر كان متخوفاً من أن يؤدي قبوله بهذه الوحدة إلى تحمله مسؤولية تحرير فلسطين وممارسة الضغوط عليه لإعطاء المسألة الفلسطينية دوراً أكبر، بينما لم يكن عبد الناصر يعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، ويقول “باتريك سل”: إن دولة الوحدة لم يكن القضاء على إسرائيل هدفاً من أهدافها” (البعد القومي للقضية الفلسطينية).
وذلك يؤكد أن القومية العربية العلمانية في ممارستها العملية كانت أداة لتمزيق القوى المواجهة للعدو الصهيوني، ولم تكن أداة للتوحد العربي كما يزعمون أو يُنَظِّرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *