222 سنة… مرت على الثورة الفرنسية نبيل غزال

في سنة 1789م اندلعت الثورة الفرنسة التي رفع روادها شعار: الحرية، والمساواة، والإخاء، وعوض النظامُ الجمهوري النظامَ الملكي، وأقر زعماء الثورة الفرنسية فصل السلطات؛ وفصل الدين عن الدولة؛ والمساواة؛ وحرية التعبير.
واستلهمت باقي دول أوروبا التجربة الفرنسية فاندلعت ثورات عمت أرجاء أوروبا لتتحول بعد ذلك القارة العجوز من قارة “مسيحية” إلى قارة “لادينية”.
وبعد مرور تسع سنوات على نجاح الثورة الفرنسية وبالضبط في سنة 1798م وصل أول نتاج لجيل الثورة المشبع بقيم الأخوة والمساواة!! في جيش عرمرم يقوده نابليون لاحتلال مصر؛ وفي سنة 1830م زحفت الجيوش الفرنسية لاحتلال الجزائر، وفرضت الحماية على المغرب في 1912م.
وكان هذا المصير البائس هو مصير جل الدول العربية والإسلامية التي كانت تدخل تحت نظام الخلافة العثمانية التي انفرط عقدها سنة 1908م على يد يهود الدونمة، وأعلن الماسوني مصطفى كمال أتاتورك سقوطها سنة 1924م.
وقد عملت الدول الإمبريالية -عفوا الديمقراطية!!- خلال فترة احتلالها لهذه الدول على زرع الطائفية والإثنية وخلخلة البنية الفكرية وتغيير المفاهيم والأفكار والنظام الاجتماعي والثقافي السائد؛ إضافة إلى استغلال الموارد وهدم الاقتصاد الوطني، وتبديل الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية بالأحكام الوضعية المستمدة من روح القانون العلماني الجديد.
إلا أن المقاومة الباسلة للعلماء والمجاهدين الشرفاء على أرض الميدان حالت دون إتمام مخطط دول الاحتلال الذي ولى خاسئا؛ وعادت جنوده إلى ثكناتها في أوروبا؛ لكن بعد أن خلف وراءه جنودا أقوى وأعتا؛ جنودا لا يحملون أسماء ولا هويات فرنسية؛ بل أسماؤهم أسماء مسلمين وهويتهم هوية وطنية؛ إلا أن قلوبهم أشربت حب الغرب وكل ما هو غربي؛ ونفرت من كل ما له علاقة بالإسلام وحضارته بعد أن قرنته بالتخلف والرجعية.
ولازالت هذه الفئة -منذ أن خرج الاحتلال من بلادنا- هي النافذة والموجهة للعديد من القطاعات والمجالات المؤثرة في حياتنا العامة، حتى أضحى الكلام عن المعلوم من الدين بالضرورة أمرا مستنكرا؛ وبات الحديث عن السياسة الشرعية من الخطوط الحمراء التي تدق لها طبول حرب العلمانيين.
علما أنه وإلى الأمس القريب وقبل دخول الاحتلال كان المغرب؛ شأنه في ذلك شأن باقي الدول العربية والإسلامية؛ يُحكم بالشريعة الإسلامية في كافة مجالات الحياة؛ وكان العلماء إلى جانب السلطان لا يمنعهم منه أحد، يستشيرهم فيما استجد ونزل به من نوازل وقضايا سياسية وغير ذلك؛ فيقدمون إجاباتهم انطلاقا من مرجعية الشريعة وما دلت عليه نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة.
هذه المرجعية التي لطالما حاربها وعمل على إقصائها الاحتلال الفرنسي؛ وتولى محاربتها بعده العلمانيون؛ الذين أضحوا يفاصلون عليها؛ ويرمون من طالب بتطبيقها عن قوس واحدة؛ وكأنها جريمة!!
وحتى من لم يطالب بتطبيقها كبعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي خاضت غمار العمل السياسي؛ فإنها لم تسلم من قمع واضطهاد الاستئصاليين الذين وجهوا لها سهام النقد لخلطهم السياسة بالدين -في زعمهم-.
وهي مغالطة من جملة مغالطاتهم التي يرتكبونها في إطار )محاربة العلمانيين توظيف الدين في السياسة(؛ والتي منها:

1- القفز على معطيات تاريخية كثيرة؛ منها تاريخ الحكم بالشريعة الإسلامية والذي دام قرابة 14 قرنا، التحم خلاله الدين بالسياسة؛ في دول كانت إلى العهد القريب دولا قوية قائمة الذات لها نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقلة.
2- توظيف الفكر الغربي العلماني في مجتمع مغربي يدين بالإسلام، دون أية ملاءمة مع هويته ودون الأخذ بعين الاعتبار مرجعيته التاريخية والدينية.
3- تجاهل رفض الشعب للعلمانية والفكر الغربي ومطالبته بالرجوع إلى الدين وتطبيقه؛ فهم يغالطون ويدَّعون أن الشعب المغربي ضد توظيف الدين في السياسة، باعتباره شعبا حداثيا.. إلى غير ذلك من الكلام الذي هو محض كذب وبهتان.
4- الاستناد إلى فكر أقلية تتمركز إما في الجامعات أو الأحزاب العلمانية والترويج لها في الإعلام على أساس أنها الأفكار السائدة لدى النخبة.

أما النخبة المغربية التي تتجلى في المفكرين غير العلمانيين؛ أو ذوي التوجهات الإسلامية؛ أو العلماء الذين يشاركون في تأطير الرأي العام؛ أو الأحزاب والجمعيات الإسلامية على اختلاف نشاطها وتياراتها؛ التي تؤطر مئات الآلاف؛ إن لم نقل ملايين المغاربة، هذا بالإضافة إلى المواطن المسلم العادي الذي يطمح إلى أن يرى الإسلام والعقيدة التي يدين بها حاكمة وسائدة في المجتمع.
فإذا كانت النخبة الإسلامية مهمشة ومقصية من الإعلام ومراكز القرار والإدارة والسلطة إضافة إلى نسبة المواطنين المؤطرين داخل هذه الجمعيات والأحزاب والمواطنين الذين يضعون ثقتهم فيهم ويأملون أن يسود الإسلام ويحكم؛ فهذا يعني أن النخبة المروج لها في وسائل الإعلام نخبة مزيفة؛ لا تمثل المغاربة، وهذه حقيقة لطالما حولوا القفز عليها.
وقد شكل فوز حزب العدالة والتنمية في المغرب في الانتخابات الأخيرة حلقة صراع جديدة مع أصحاب هذه المرجعية العدائية؛ الذين كشروا عن أنيابهم من جديد؛ واعتبروا أن “المطلوب من القوى الديمقراطية والحداثية في المجتمع أن تتمتع اليوم أكثر من أي وقت مضى باليقظة اللازمة حتى لا نجد بلدنا في يوم من الأيام وقد خرج من استبداد مخزني إلى استبداد ملتح”!!!
وكأن العلمانيين لم يكونوا -بل لم يزالوا- يمارسون أشد أنواع الاستبداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *