مرت مادة التربية الإسلامية في النظام التعليمي والتربوي بالمغرب بمحطات عديدة ففي بداية عهد الاستقلال، أي في الستينيات من القرن الماضي، كانت مادة التربية الإسلامية في التعليم الابتدائي تدرس تحت اسم مادة الدين، ومرة تحت اسم مادة الأخلاق، ثم بعد ذلك في التعليم الأساسي والثانوي، كانت تدرس ضمن اللغة العربية، كانت آنئذ مادة اسمها اللغة العربية والتربية الإسلامية، كانت مقررات التربية الإسلامية غير مبرمجة ولا معدة، ولا خاضعة لأي قاعدة من قواعد البرامج، وغالبا ما كانت تسند إلى أساتذة اللغة العربية، وأستاذ اللغة العربية في هذه الحالة يكتفي بتدريس اللغة العربية غالبا، ولا يهتم بتدريس التربية الإسلامية إلا فيما ندر.
ثم بعد ذلك في نهاية السبعينيات استقلت المادة بنفسها، فأصبحت مستقلة عن مادة اللغة العربية، لكنها كانت تدرس بأساليب تقليدية عتيقة، وبرامجها ومنهاجها لم تكن تخضع بأي حال من الأحوال للبناء العلمي والمنهجي، ووسائل التعليم فيها كانت ضعيفة جدا، ولذلك فإن جيل الثمانينيات احتفظ بذكريات سيئة عن مادة التربية الإسلامية باعتبار أنها مادة للحفظ فقط، وأن المواضيع التي تدرس فيها مواضيع جافة لا علاقة لها بالسلوك اليومي للمتعلم، أضف إلى ذلك أنها لم تكن مادة إلزامية في الامتحانات، فكان بعض الطلبة، نظرا لحسهم الديني، أو لحاجاتهم للإطلاع على الجديد في مجال الثقافة الإسلامية، يحرصون على حضور حصص تلك المادة تطوعا.
إن محاربة مادة التربية الإسلامية بالمغرب، هي في الحقيقة إحدى مخلفات الغزو العلماني، والغزو الثقافي الاستعماري الذي غزا أمتنا من خلال الهجمة الفرنسية الفرنكوفونية التي غزت التعليم بالأساس. والآن صار للاستعمار خطط وأساليب ماكرة في العصر الحديث فلقد يئس المستعمرون من لغة الحديد والنار فبدلوا السلاح لوجهة أخرى، وهي غزو الأفكار وغزو الضمائر، فأول ما فعلوه هو أنهم عزلوا التعليم الديني عن التعليم المدني، ففصلوا هذين بعد أن كانا مشتركين.
وقد كانا إلى عهد قريب شيئا واحد، فنذكر أن في جامع القرويين والأزهر وفي غيرها من الجوامع الإسلامية، والجامعات العتيقة، كان يتخرج الأطباء والمهندسون والبيطريون.. وكانت العلوم الدينية إلى جانب العلوم المدنية التي تبني الحضارة التكنولوجية مقترنتين.
ولما أُخرِج التعليم من الجوامع وأدخل الجامعات الحديثة كانت هذه هي نقطة الفصل بين الدين والدنيا، حتى يتسنى لذلك الطالب أن يُبعد عن دينه، بدراسته في جامعة بلا مراقبة شرعية ولا تربية دينية، هذه قضية استعمارية تاريخية معروفة.
بعد ظهور الصحوة الإسلامية المعاصرة، وانتشارها في الأرض، بدأت فكرة المخطط الذي وضع من طرف المكرة الصليبيين والماسونيين، ومن يعاونهم في البلاد العربية تحت ما سمي بمخطط (تجفيف منابع الأصولية في العالم الإسلامي)، وأجهز على البقية الباقية من برامج التعليم الديني، فأقصي الإسلام من كثير من المعاهد المدنية، والمدارس المدنية وعٌزِلت عن أن تخضع للتأثير الديني والإسلامي، وأبقي للإسلام هذه الحصة التي تسمى: (التربية الإسلامية).
ثم لم يزالوا بعد ذلك في كل وقت، وفي كل مرحلة من مراحل التغيير السياسي، فكلما جاءت حكومة نظرت لتكون (أرقى) من الحكومة التي سبقتها في التضييق على التربية الإسلامية وتقزيمها، إمعانا في محاربة الإسلام، فحوربت المادة من جهتين:
أولا: من جهة تقزيم مقررها، وتقزيم ساعاتها وإعطائها مُعاملا ضعيفا جدا!
فمُعامل اللغة الفرنسية مثلا -بتأثير من الاتجاه الفرنكوفونية بالمغرب- يُقوّم بخمسة أو ستة، بينما معامل التربية الإسلامية لا يكاد يتعدى الواحد، وحصتها ساعة واحدة في الأسبوع، وبدأ اليساريون العلمانيون يحاولون أن تصير في المخطط الحديث للإصلاح مادة اختيارية، مع إعطائها اسما جديدا (الحضارة الإسلامية).
وكانت الجدالات والنقاشات في اللجان التي وكلت إليها مهمة تهيئة مشروع الإصلاح أن يحصر تدريس مادة التربية الإسلامية في المستوى الابتدائي والإعدادي. وكان بعضهم يتبجح ويقول: “عار علينا أن نعلم التلميذ الدين الإسلامي وهو في سن المراهقة، بل الواجب أن يتعلم ذلك في الصغر، أي في طفولته الأولى”. هكذا أرادوا حتى إذا وصل سن المراهقة عزل عن دينه، حتى يتسنى لهم ببرامجهم التعليمية الزائغة أن يفسدوه ويبعدوه عن دينه.
من هنا فهذه المادة أصبحت لا تؤدي مفعولها الحقيقي وأثرها المرجو، وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يترك هذا الدين من غير مؤثر، فعلى هزال ما فيها وقلة أساتذتها، فإنها لا تخلو من تأثير.
أما الوجهة الثانية التي حوربت من خلالها التربية الإسلامية فهي: قيام أساتذة غير مؤهلين ولا مختصين بتدريس هذه المادة، بل أساتذة لا يمثلون القدوة الإسلامية المنشودة، فقد تجد منهم المدخنين، والسكارى والمعربدين، بل والملاحدة أحيانا، حتى يقال: هذا هو الإسلام. الإسلام هو قول بلا عمل، مرجئة جدد يظهرون الآن في هذا الزمان ليعلموا الناس أن الإسلام في القلب فقط، لا في العمل.
من الخطأ التاريخي لهذه الأمة أن يتحول التعليم في المغرب إلى تعليم علماني محض، المغرب الذي كان قبلة طلاب العلم من المشرق والمغرب، وتأسست فيه أول جامعة في التاريخ والتي هي جامعة القرويين، جامعة القرويين لم تكن تدرس الفقه المالكي، والحديث النبوي، والنصوص القرآنية الكريمة فقط، بل كانت تدرس كل علوم الكون، كعلم الفلك والرياضيات.. فالقرآن هو الذي أسس الأصول لنظرية المعرفة العلمية.
إلا أنه عندما جاء الاستقلال تغير كل شيء مع الأسف، هذا الاستقلال الذي كان آباؤنا وأجدادنا يموتون من أجله، لا ليستقل المغرب عسكريا، ويبقى مستعمرا في جانبه الثقافي، وإنما ليستقل استقلالا تاما، ومن بين معاني استقلاله التام أن يكون تعليمه مبنيا على الإسلام من أوله إلى آخره، فعلمنة التعليم خطأ كبير وقع فيه المغاربة الذين تولوا مسؤولية وضع هذه البرامج، إن كان مغاربة في حقيقتهم.