توجد في المغرب أكثر من 4000 نقطة بيع لمنتجات شركات القمار، موزعة في جل المدن المغربية، وغالبية من يمرّ بجوار هذه النقاط (أكشاك.. محلات.. مقاهي) يثيره طابور المصطفين الذين يجلسون على الرصيف، أو فوق دراجاتهم الهوائية أو النارية، أو داخل سياراتهم، وهم منهمكون في تعبئة أوراق اليناصيب ولعب الطوطوفوت والكوتي سبور واللوطو والكواترو والتيرسي وغيرها.
ثلثا المدمنين على القمار مدمنون على مواد أخرى مثل التبغ والكحول والحشيش |
شباب وشابات في مقتبل العمر، وكهول ونساء وقعوا في فخ الإدماع على ألعاب القمار، دخلوه بفعل الإغراء والبحث عن الربح السريع، واستحال عليهم الخروج منه بعد أن أدركوا أنهم وقعوا بين أنياب شركات تتاجر في بيع الوهم.
(مصطفى) عمره 65 سنة صرح أنه منذ 25 سنة وهو يلعب القمار، والحي الذي يسكنه توجد به ثلاث مقاهي للقمار، كان أول صلة له بهذا المجال هو رفقة السوء، فقَد عمله بسبب القمار وباع أثاث بيته، ففارقته زوجته وابنه وتنكر له جل أفراد أسرته.
(فاطمة) امرأة حوَّل القمار حياتها وحياة أسرتها إلى جحيم، وذلك بعد أن أدمن زوجها على لعب الحظ، وباع هو الآخر أثاث البيت وفرط في النفقة على أسرته، وتأثر نفسيا بذلك فصار عدوانيا يعتدي بالضرب على زوجته وولده الوحيد؛ ما اضطر الزوجة للخروج إلى العمل بحثا عن الرزق بعد أن أيست منه وملت من تصرفاته.
(عبد الرحمن) يقامر منذ سنوات؛ يقول أنه لم يربح يوما، باع كل ما يملك حتى ملابسه من أجل الحصول على ربح يتطلع في الأفق، وفق ما يقول، لكن دون جدوى، وقد لخص تجربته الطويلة مستدلا بالمثل المغربي البليغ (الطماع يقضي عليه الكذاب).
شهادات المقامرين كثيرة وصادمة فمنهم من أغرق نفسه بالاقتراض من البنك لمواصلة اللعب طمعا في الربح يوما ما؛ ليجد نفسه بعد خلف القضبان، ومنهم من ساقه القمار لدخول دوامة الاكتئاب والإقدام على الانتحار.
فرغم استفحال هذه الظاهرة تبقى الدراسات حول ألعاب القمار قليلة، ومن بينها دراسة أنجزت تحت إشراف مجموعة من الأطباء المغاربة، ضمنهم البروفسور عمر بطاس الأخصائي في الأمراض النفسية، وقد شملت 243 لاعب قمار، وهذه العينة درست منها 200 حالة، فخلصت إلى أن 53% من هذه العينة مدمنون، وأكثر من الثلثين مدمنون على مواد أخرى مثل التبغ والكحول والحشيش..، ومعدل سن المقامرين يتراوح بيد 41-42 سنة ويوجد ضمنهم شباب وكهول، منهم من أدمن اللعب لأكثر من 41 سنة بشكل مستمر.
ووفق الأخصائيين في مجال الطب النفسي فجل المقامرين يعانون من الإدمان السلوكي المؤثر على المستوى النفسي والمهني والسلوكي والأسري..، حيث يصير القمار محور حياة الفرد؛ يفكر فيه طيلة يومه، كيف سيوفر المال؟ وأي لعبة سيلعب؟ وعلى من سيقامر؟ وهل سيربح أم لا؟ ويفرط في مقابل ذلك كله في محيطه وعائلته وأسرته بل حتى في نفسه، فتكون النتيجة الحتمية: التفكك الأسري، وقد يتطور الأمر إلى حالات اكتئاب وإقدام على الانتحار.
المثير في هذه الظاهرة أن كثيرا من المقامرين يؤثرون في أبنائهم ويجرونهم بفعل القدوة والاضطراب الأسري إلى إدمان مماثل أو إدمان من نوع آخر، كالمخدرات والكحول وغيرها.
وإذا كان عدد المدمنين على القمار في المغرب يفوق ثلاثة ملايين شخص، أي ما يعادل 10% من المغاربة؛ فكم سيصير هذا العدد بعد تأثر الأبناء والأقارب، إننا نصنع جيلا لا يؤمن بالعمل والكد والإنتاج؛ وإنما جيلا مريضا نفسيا؛ يؤمن بثقافة الوهم واللهث وراء السراب والربح السريع.