بمرور الوقت يتأكد لدى المطالعين للشأن العربي والإسلامي أن مَنْ يتدثرون بدثار الثورية والديمقراطية من العلمانيين واللبراليين لا مبدأ لهم، وأن المصالح الشخصية والمكاسب الحزبية هي المتحكمة في كافة تصرفاتهم، وإنْ تعارض ذلك مع شعاراتهم ومبادئهم التي يعلنونها ليل نهار، وإنْ أطاح بقواعد ديمقراطيتهم المزعومة، وأصدق مثال على ذلك ما يحدث الآن في ساحة مصر السياسية والفكرية من نكوص ليبروعلماني منظم، وانقلاب على قواعد “صنم العجوة” المسمى بـ”الديمقراطية”.
وهو أمر شهد عليه القاصي والداني، بل شهد عليه الغرب ذاته- راعي الديمقراطيات المعاصرة- فها هي صحيفة الناشيونال بوست الكندية تتهم التيار العلماني في مصر برفض الالتزام بقواعد الديمقراطية، بعد فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية.
حيث قالت الصحيفة: “الرئيس مرسي حصل على 51,7% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية، ولكن على عكس مؤيدي مرشحي الرئاسة الأمريكية ميت رومني وآل جور الذين تنحوا جانباً على مضض؛ على الرغم من خسارة مرشحيهم ببضعة أصوات؛ فإن المعارضة في مصر رفضت أن تقبل نتيجة الانتخابات بهدوء”.
وأشارت الصحيفة إلى رفض المعارضة لإرادة الأغلبية الشعبية، التي عبرت عنها صناديق الاقتراع والانتظار حتى الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أربع سنوات، وألمحت إلى أن بعض الشخصيات العلمانية، خرجت للتحدث صراحة عن الإطاحة بمرسي فوراً وبأي وسيلة ممكنة.
وأعربت الصحيفة عن الدهشة الكبيرة من أن عودة الجنرالات المكروهين شعبياً والذين حكموا مصر بلا رحمة وحولوها لديكتاتورية عسكرية لأكثر من نصف قرن، حتى أصبحوا خيارا مفضلاً لدى العديد من العلمانيين، في إشارة منها إلى تصريحات رئيس حزب الدستور المصري الدكتور محمد البرادعي صاحب التوجه العلماني.
وفيما يخص مسألة الانقلاب على رأي الأغلبية وآليات الديمقراطية، وتأكيدا لما جاء في الصحيفة الكندية اعتبر الدكتور محمد البرداعى أن الاحتكام لصناديق الانتخاب يعد خديعة للشرعية والديمقراطية الزائفة، مبررا ذلك بأن الرئيس محمد مرسي صاحب سلطات مطلقة وأن السلطة القضائية في حالة غياب، كما أن مشروع الدستور يؤسس للاستبداد والديكتاتورية، بحسب زعمه.
حيث قال البرادعي في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “في وجود رئيس محصن له صلاحيات مطلقة وغياب سلطة قضائية ومشروع دستور يؤسس للاستبداد، يكون الاحتكام إلى الصندوق خديعة فاقدة للشرعية وديمقراطية زائفة”.
وهذا البرادعي ذاته هو من ذهب ليستعدي الأمريكان والغرب على الإسلاميين، مبررا عداءه لهم بأنهم ينكرون الهلوكوست، وأنهم يحرمون الموسيقي، وهو من أخذ في انتقاد الدستور لأنه لا يتيح للبوذيين بناء معابد لهم في مصر، رغم أن مصر ليس فيها بوذي واحد، لكنه التشغيب والتأليب، والبحث عن الأمور المثيرة من أجل استعداء الآخرين.
فهذه المواقف وغيرها ليس لها سوى دلالة واحدة، وهي أن الحرب الدائرة اليوم بين العلمانيين والغرب من جانب؛ وبين تيارات الإسلام السياسي في مصر وفي غيرها من بلدان العالم الإسلامي من جانب آخر؛ ما هي إلا صورة من صور صراع الإسلام مع الغرب وأذنابه.
فالمقصود من هذه الحرب ليس شخصا بعينه أو حزبا بعينه، وإنما المقصود هو الإسلام ذاته، ولذلك فالغرب -الآن- لا يفرق بين ما كان يسميه في السابق بالإسلام “الراديكالي” وما كان يسميه بالإسلام “الوسطي”، فالكل أمامه -الآن- سواء سيما بعد حالة التوحد والوفاق التي شهدتها الساحة الإسلامية في مصر في الفترة الأخيرة.
فالتوجه العلماني رافض لأي شكل من أشكال الحكم الإسلامي، مهما بلغت حالة توافقه، ومهما كانت تنازلاته، وليس أصدق على هذا من الحالة التونسية، فالنهضة الإسلامي برغم تنازلاته -المهينة- في بعض الأحيان لم يسلم من تآمر العلمانيين، ومحاولات الانقلاب عليه، ولم تستقر أوضاعه بسبب الهجوم الدائم والمتكرر من قبل العلمانيين المنقلبين على قواعد ديمقراطيتهم الزائفة.
(مركز التأصيل للدراسات والبحوث)