لماذا اخترنا الملف؟

تعتبر السيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة نبويّةً متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من الدروس العظيمة والفوائد الجليلة، فدراسة الهدي النبوي أمر له أهمية بالغة لكل مسلم، فهو يحقق عدة أهداف من أهمها: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال معرفة شخصيته وأعماله وأقواله وتقريراته، وتكسب المسلم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنميها وتباركها، ويتعرف على حياة الصحابة الكرام الذين جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتدعوه تلك الدراسة لمحبتهم والسير على نهجهم واتباع سبيلهم، كما أن السيرة النبوية توضح للمسلم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، بدقائقها وتفاصيلها، منذ ولادته وحتى موته، مرورًا بطفولته وشبابه ودعوته وجهاده وصبره، وانتصاره على عدوه، وتظهر بوضوح أنه كان زوجًا وأبًا وقائدًا ومحاربًا، وحاكمًا، وسياسيًا ومربيًا وداعية وزاهدًا وقاضيًا، وعلى هذا فكل مسلم يجد بغيته فيها (انظر: السيرة النبوية دراسة وتحليل، ص:50).
فالداعية يجد له في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أساليب الدعوة، ومراحلها المتسلسلة، ويتعرف على الوسائل المناسبة لكل مرحلة من مراحلها، فيستفيد منها في اتصاله بالناس ودعوتهم للإسلام، ويستشعر الجهد العظيم الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إعلاء كلمة الله، وكيفية التصرف أمام العوائق والعقبات، والصعوبات وما هو الموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن؟
ويجد القائد المحارب في سيرته صلى الله عليه وسلم نظامًا محكمًا، ومنهجًا دقيقًا في فنون قيادة الجيوش والقبائل والشعوب والأمة، فيجد نماذج في التخطيط واضحة، ودقة في التنفيذ بينة، وحرصًا على تجسيد مبادئ العدل وإقامة قواعد الشورى بين الجند والأمراء والراعي والرعية.
ويتعلم منها السياسي كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أشد خصومه السياسيين المنحرفين، كرئيس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر والبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يحوك المؤامرات، وينشر الإشاعات التي تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإضعافه وتنفير الناس منه، وكيف عامله صلى الله عليه وسلم، وصبر عليه وعلى حقده، حتى ظهرت حقيقته للناس فنبذوه جميعًا حتى أقرب الناس له وكرهوه والتفوا حول قيادة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجد العلماء فيها ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى؛ لأنها هي المفسرة للقرآن الكريم في الجانب العملي، ففيها أسباب النزول، وتفسير لكثير من الآيات فتعينهم على فهمها، والاستنباط منها، ومعايشة أحداثها، فيستخرجون أحكامها الشرعية، وأصول السياسة الشرعية، ويحصلون منها على المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة، وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وغيرها من العلوم، وبذلك يتذوقون روح الإسلام ومقاصده السامية.
وتتعلم منها الأمة جمعاء الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الأخلاق، وطهارة القلب، وحب الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة في سبيله؛ ولهذا قال علي بن الحسن: “كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن”، وقال سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت عمي الزهري يقول: “في علم المغازي علم الآخرة والدنيا” (البداية والنهاية: لابن كثير3/256، 257).
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: “كان أبي يعلمنا مغازي
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدها علينا ويقول هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها” (البداية والنهاية 2/242).
إن دراسة الهدي النبوي في تربية الأمة وإقامة الدولة، يمكن كل المتدخلين في صرح إصلاح المجتمع من علماء وقادة وفقهاء وحكام على معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين، من خلال معرفة عوامل النهوض، وأسباب السقوط، ويتعرفون على فقه النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأفراد وبناء الجماعة المسلمة، وإحياء المجتمع، وإقامة الدولة، فيرى المسلم حركةَ النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، والمراحل التي مر بها وقدرته على مواجهة أساليب المشركين في محاربة الدعوة، وتخطيطه الدقيق في الهجرة إلى الحبشة، ومحاولته إقناع أهل الطائف بالدعوة، وعرضه لها على القبائل في المواسم، وتدرُّجه في دعوة الأنصار ثم هجرته المباركة إلى المدينة.
فالسيرة النبوية غنية في كل جانب من الجوانب التي تحتاجها مسيرة الدعوة الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك سوابق كثيرة لمن يريد أن يقتدي به في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد، وكافة شؤون الحياة، كما أن التعمق في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يساعد القارئ على التعرف على الرصيد الخلقي الكبير الذي تميز به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل البشر ويتعرف على صفاته الحميدة التي عاش بها في دنيا الناس فيرى من خلال سيرته مصداق قول حسان بن ثابت رضي الله عنه عندما قال:
وأجمل منك لم تر قط عيني *** وأفضل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرءا من كل عيبٍ *** كأنك قد خلقت كما تشاء
(انظر السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي محمد الصلابي)
ولتسليط الضوء على بعض الجوانب المشرقة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم العطرة ارتأت جريدة السبيل اختيار هذا الملف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *