التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني.. نخر للأمة من داخلها

الأرض التي احتلها الصهاينة في فلسطين تفتقر إلى الثروات الطبيعية التي يقوم عليها اقتصاد دولة، فالكيان الصهيوني يعاني من نقص في الموارد الطبيعية ويستورد 99% من النفط والغاز من الخارج، ويعاني أيضا من مشكلة في المياه، ومن ارتفاع تكاليف الهجرة اليهودية وبناء المستوطنات، ومن زيادة النفقات العسكرية والأمنية.. فدولتهم اللقيطة قائمة أساساً على الدعم الخارجي.

ومن المعروف أن أرض الجزيرة تحوي حوالي ثلث مخزون العالم من النفط، لأجل هذا سال لعاب اليهود، حتى صرح أحدهم وهو شلومو أفنيري (بروفيسور في الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية، ومدير عام وزارة الخارجية سابقاً) بوجوب إقامة هيكل دولي يعمل على إخراج مصادر النفط من يد الحكام المسيطرين على هذه المصادر في الشرق الأوسط وتقسيمها حسباً للحاجات الاقتصادية الإنسانية! (انظر الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية لإبراهيم عبد الكريم ، ص:63).
وقالت عجوزهم الهالكة غولدا مايير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني لما زارهم المستشار الألماني فيلي برانت عام 1973 م: “إننا إن غفرنا لموسى النبي كل شيء، فلن نغفر له أنه شاء أن يقودنا في منطقة غزيرة بالنفط ليستقر بنا في البقعة الوحيدة من هذه المنطقة التي لا نفط فيها!” (الاستراتيجية الإسرائيلية، ص: 17،18).
وصرح بيريز قائلا: “النفط السعودي، والسوق المصرية، والمياه التركية، والمعرفة الإسرائيلية هي إقليمية أكثر منها وطنية” (انظر المشروع الشرق أوسطي أبعاده مرتكزاته تناقضاته، لماجد كيالي ص:97).
ولتحقيق أطماعهم الدنيئة تلك، سلك اليهود طريقين: طريق الاحتلال المباشر كما هو الحال في فلسطين والجولان وجنوب لبنان -قبل أن يجبروا على الانسحاب منه-، وطريق الاختراق من خلال العملاء والانتهازيين والوصوليين، وقد تمكنوا بواسطة الطريق الأخير من السيطرة على كثير من الدول العربية والغربية أيضا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ما دفع بالرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون ليخرج عن صمته ويبدي تذمره واستياءه من سيطرة اللوبي اليهودي على كثير من السياسات الأمريكية.
ويحاول اليهود من خلال التطبيع الاقتصادي إلى تنمية شبكة واسعة ومتنامية من التشابكات الاقتصادية بين اقتصادهم واقتصاد الدول العربية التي من شأنها أن تجعل كلفة الانفصال عالية جداً بالنسبة لأي طرف عربي يريد الانسحاب من هذه المشاريع.
وقد دعا عدد من اليهود إلى إنشاء سوق شرق أوسطي موحد، كان من أبرزهم الصهيوني المتطرف ديفيد بن جوريون، ولم يطرح هذا المشروع كبرنامج متكامل حديثاً إلا عقب دعوة رئيس الوزراء الصهيوني السابق شيمون بريز إلى إقامة شرق أوسط جديد يتم فيه التزاوج بين “العمالة المصرية والتكنولوجيا الصهيونية والبترول الخليجي، وأن تكون “إسرائيل” عاصمة لهذا الاتحاد”.
ولم يقتصر الأخطبوط الصهيوني في امتداده على العالم العربي ولا على الشام واليمن ودول الخليج، بل تعداها ليصل إلى دول المغرب العربي.
فما كشفت عنه النشرة الشهرية للمكتب المركزي للإحصائيات بالكيان الصهيوني من حجم للمبادلات التجارية بين المغرب والكيان الصهيوني أصاب غالب المغاربة بالدهشة، حيث أن واردات المغرب من الصهاينة ارتفعت خلال يناير 2009 لتصل إلى أكثر من 9 ملايين درهم مقارنة مع 6 ملايين درهم خلال نفس الفترة من السنة قبلها، في حين انخفضت صادرات المغرب إلى الصهاينة إلى 1,6 مليون درهم خلال الشهر نفسه من السنة الحالية، بعدما سجلت 2,3 مليون درهم خلال الفترة نفسها من السنة قبلها.
وحسب تقرير المركز فقد بلغ إجمالي واردات المغرب من الكيان الصهيوني خلال السنة الماضية 170 مليون درهم، والصادرات 32 مليون درهم، وتبين الأرقام أن حجم المعاملات التجارية في ارتفاع مستمر خلال السنوات الماضية.
كما أفاد رئيس معهد التصدير الصهيوني نائب مدير عام الصناعات الجوية العسكرية “دافيد أرتسي” أنه: “رغم الإعلان عن مقاطعة واسعة للبضائع “الإسرائيلية”، إلا أن هذه البضائع تصل إلى الغالبية العظمى من دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية باستثناء إيران وسوريا ولبنان”.
ونقل عنه موقع “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني، قوله: “لا أعتقد أنه على أرض الواقع يوجد شيء اسمه مقاطعة لـ”إسرائيل”، وربما هناك مقاطعة رسمية لكنها لا تؤثر في الواقع”.
وقال: “إن تأثير المطالبة بمقاطعة البضائع “الإسرائيلية” يأتي بنتائج معاكسة، وأن تفكير رجل الأعمال يختلف عن تفكير السياسي..، وفي المغرب أو إندونيسيا يشترون البضائع “الإسرائيلية” مباشرة لكنهم يزيلون عبارة صنع في إسرائيل”.
هذه التصريحات المستفزة والأرقام المخيفة تكشف لنا بجلاء عن حجم المبادلات التجارية والتطبيع العلني مع المحتل الصهيوني، وتضع علامات استفهام كبيرة حول مواقفنا كمغاربة مسلمين لدينا ارتباطات دينية وتاريخية وجغرافية.. مع أشقائنا الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وقبل ذلك واجبنا في تحرير القدس والمسجد الأقصى، كما تضع تساؤلات عن مواقف المسؤولين -الذين بيدهم اتخاذ قرارات دخول مثل هذه السلع إلى المغرب- المناقضة لمواقف الشعب المغربي المسلم.
إنه متى بقي رجال الأعمال في بلدنا بعيدين في مجال تعاملاتهم التجارية عن قضايا الدين الإسلامي ومقومات الهوية والقيم والأخلاق التي شرعها الإسلام، فإن ما أفاده “دافيد أرتسي” لا يعد مستغربا أبدا، لأن المنطق الذي يحكم رجل الأعمال عند غياب كل ذلك هو منطق المصلحة والمنفعة والربح فقط، ولن يهمه آنذاك الطرف المتعامل معه، ولن يتردد أبدا في أن يغير (عبارة صنع في “إسرائيل”) ويبدلها بعبارة صنع في الأردن أو سوريا أو الإمارات العربية المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *