يعاني التعليم في غالبية الدول العربية من تدهور كبير وعجز يميل إلى الشلل، وثمة انفصاما كبيرا بين ما يتلقاه الطالب طوال سنين دراسته وبين ما يعيشه في حياته أو تتطلبه ميادين العمل، فتجده يحشو دماغه بركام من المعلومات التي لا يفهمها غالبا، ليستظهرها يوم الامتحان أو يستعين بما يحضره من وسائل الغش، ثم بعد ذلك يرمي بهذه المعلومات وراءه ليستقبل شحنة جديدة في العام الذي يلي، وهكذا دواليك .
وعندما ينهي دراسته ويحصل على الشهادة يحس بنفسه وكأن عقله عبارة عن قارورة مثقوبة من الأسفل كلما ملأها من فوق أفرغت من تحت.
إن التركيز الكبير للطلاب والآباء على حد سواء، يكون على هدف واحد وهو الحصول على الشهادة ثم الانتقال إلى سوق العمل، لكن الخريجين يصدمون بالواقع عند حصولهم على تلك الشهادة لأنهم تلقوا تعليما يركز على المعلومات النظرية، ومفتقرا للتطبيق العملي، وهذا هو العلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع”.
علينا أن نزرع في النشء فكرة تحديد الهدف من التعليم وإصلاح النية، لتتحول من مجرد الدراسة للحصول على الشهادة إلى هدف أسمى وهو إعداد إنسان صالح يقوم بحق الله وحق نفسه، ويعي حقوق أسرته و مجتمعه، ويأمنه الناس على أنفسهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.
هل كان الواحد من علماء الأمة الذين تركوا بصماتهم في التاريخ واضطر الغرب إلى الأخذ عنهم وترجمة نتاجهم، يبحث عن علم ليحصل به على شهادة أو يتابع دراسته ليحصل على وظيفة؟
كانوا يتعلمون شؤون الحياة ويبرمجون أنفسهم لبلوغ الأهداف التي تاقت إليها هممهم العالية،عوض انتظار فرصة عمل قد لا يجدونها إلا بشق الأنفس، وإذا وجدوها قد لا يحسنون القيام بها، لأن دراستهم في واد ومتطلبات سوق العمل في واد آخر، وفي هذا الشأن يقول أحد المتخصصين في التربية: “المسألة أيها الأب الحنون ليست مسألة نجاح أو رسوب في الدراسة فحسب، بقدر ما هي مسألة نجاح أو رسوب في الحياة.. و مع وجود المَلَل وقلة فرص العمل، اتجه الشباب في ملأ أوقات فراغهم إلى اتباع شهواتهم وتعويض نقصهم بالأغاني الماجنة والأفلام الخادعة تعبيراً عن تمردهم على واقعهم المأسوي”.
إنا لا نقصد بما سبق ذكره تثبيط الشباب وصرفهم عن البحث عن العمل، فما أحوجنا للطبيب الناجح وللمهندس المتفوق وللإعلامي والإداري البارع، لكن ما أقصده هو ألا يكون التعليم مجرد وسيلة لإدراك الوظيفة.
فمن المؤسف أن يكون ميزان تقييم المتعلم هو ما يحمل عقله من معلومات مفيدة وغير مفيدة وتعويده على الاستظهار من غير فهم، ولذلك قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: “العلم كثير فخذوا من كل شيء أحسنه”، وقال بن عباس رضي الله عنهما: “العلم كثير فارعوا أحسنه”.
إن عصرنا هذا فيه وسائل يمكنها حفظ ملايين المعلومات، ولكن لا يقول عاقل بأنها عالمة، وليس لها حول ولا قوة، فالتعليم النافع هو الذي يخدم الإنسان في دنياه وآخرته، ويمكنه من تحقيق الخير والصلاح لدينه ووطنه ولأبناء مجتمعه.
فالعمر قصير وعلى الإنسان عموما والطالب خصوصا أن يمتلك فن معرفة الأولويات واتخاذ الأهم فالأهم، وأن يربي في نفسه روح الإبداع والابتكار لا مجرد التلقي والاستظهار، إن السلبية التي تربت فينا بسبب أنظمتنا التعليمية، هي التي كبلت عقولنا عن الإبداع، والنتيجة هي غياب البحث العلمي والاعتماد على الاستيراد من الغرب ومن تم الرضى بالتخلف والنكوص.